قُسّم الوضع من حيث اللّفظ إلى : الوضع الشخصي والوضع النوعي .
وقُسّم من حيث المعنى إلى : الوضع العام والموضوع له العام ، والوضع الخاص والموضوع له الخاص ، والوضع العام والموضوع له الخاص .
ثم وقع الكلام في المعنى الحرفي .
والأصل في التّقسيم المذكور هو : إن الوضع يتعلّق باللّفظ والمعنى ، وهو ـ على جميع الآراء في حقيقته ـ عمل اختياري ، وكلّ عمل اختياري فإنّه يتصوَّر هو إنْ كان وحده ، وهو وأطرافه إن كان ذا أطراف .
واللّفظ عندما يتصوَّر ، فتارةً : يكون موضوعاً للمعنى بمادّته وهيئته ، وأخرى : يكون موضوعاً له بمادّته دون هيئته ، وثالثةً : يكون موضوعاً له بهيئته دون مادّته .
فالأول : كزيد وغيره من الأعلام الشخصيّة ، وكأسماءِ الأجناس .
والثاني : كالضربْ مثلا ، الدالّ على الحدث المعلوم ، فإنّه موضوع لذاك المعنى بمادّته فقط .
والثالث : كالضارب مثلا ، فإنّ مادّته لاتدلّ على معناه الموضوع له ، وإلاّ لزم دلالة مثل يضرب عليه أيضاً .
هذا ، وقال المحقّقون بأنّ وضع الألفاظ في أسماء الأجناس ، وفي الأعلام ، وكذا في الموادّ شخصيٌّ ، أمّا في الهيئات ـ كهيئة فاعل مثلا ـ فهو نوعي ، فإنّ هذه الهيئة موضوعة لكلّ من قام به الفعل وصدر عنه .
فوقع الإشكال في المواد ، وأنّه كيف يكون الوضع فيها شخصيّاً ؟ لأنّه إنْ كانت المادّة موضوعة لكلّ من يقوم المعنى به فيكون الوضع شخصيّاً ، لزم أنْ يكون الوضع في الهيئات ـ كضارب ومضروب مثلا ـ كذلك ، لأنها موضوعة لذلك أيضاً ، مع أنْ الوضع فيها نوعي لا شخصي .
توضيحه : إنهم قالوا في المادّة بأنّ وضعها شخصي ، يعني : كما أن لفظ « زيد » موضوع لهذه الذات ، كذلك المادة ، كمادّة الضرب ونحوها . وليس المراد من الشخص هنا هو الفرد ، بل المراد نفس المادة ولو بطبيعتها ، في ضمن أيّ هيئَة كانت ، فهذه الخصوصيّة أينما وجدت فهي موضوعة لهذا الحدث . وقالوا في الهيئات مثل هيئة الفاعل والمفعول وغيرهما بأن الوضع نوعي ، والمراد من ذلك أنّ الواضع عندما يجد هيئة « ضارب » مندكّة في مادة « الضرب » فمن هذه الهيئة المندكّة في المادّة ينتقل إلى عنوان انتزاعي يكون هو الموضوع من قبل الواضع عند لحاظ الهيئات ، فهو يلحظ هيئة ضارب فينتقل إلى عنوان كلّي هو : كلّ ما كان على زنة الفاعل فهو موضوع لهذه النسبة ، ويلحظ هيئة المفعول فينتقل إلى عنوان انتزاعي كلّي هو : كلّ ما كان على زنة المفعول فهو موضوع لهذه النسبة .
فالملحوظ في وضع المادّة هو المادة « ض ، ر ، ب » على الترتيب بين هذه الحروف ، يلحظها ويضعها للحدث الخاص ، الذي هو المعنى لها في اللّغة ، فيكون حال الوضع فيها حال الوضع في مثل زيد . أمّا في وضع الهيئات فالملحوظ الموضوع له هو العنوان الإنتزاعي الجامع : « كلّ ما كان على زنة فاعل » أو « على زنة مفعول » وهكذا .
فالإشكال هو : لماذا يمكن لحاظ المادّة بنفسها ووضع اللّفظ للحدث الخاص ، ولا يمكن لحاظ الهيئة بنفسها ، وماهو الفارق بينهما؟
Menu