ردّ الايراد الثبوتي
وما قيل : من أنَّ مفهوم اسم الزمان ليس ظرفاً لوقوع الفعل ووعاءً له في الخارج ، بل الزمان أمر ينتزع أو يتولّد من تصرّم الطبيعة وتجدّدها ، كما حقّق في محلّه ، فقد أجاب عنه شيخنا دام بقاه فقال :
إنّ ما ذكره في حقيقة الزمان يبتني على قول أصحاب الحركة الجوهرية من أنه مقدار تجدّد طبيعة الفلك ، لكن دعوى تولّده بمعنى كون نسبة الحركة إلى الزمان نسبة العلّة إلى المعلول ، باطلة قطعاً ، لعدم تولّد شيء في الخارج اسمه الزمان من الحركة والتجدّد . وأمّا دعوى كونه منتزعاً ـ والأمر الإنتزاعي عبارة عن الحيثيّة الوجوديّة لما كان له مطابق في عالم الأين ، كالفوقيّة ، إذ أنها حيثيّة موجودة بوجود ذات ، وليس لها وجود في قبالها ، نعم هي مغايرة مفهوماً لذات الفوق كالسقف مثلا ، وقد حقق المحقق الإصفهاني هذا المطلب في ( رسالة الحق )(1) فيردّها :
إنه قد وقع الإتّفاق على أنّ الزمان مقدار الحركة القطعيّة ، وعلى أنه يقبل القسمة إلى أقسام كثيرة ، من السنة والشهر واليوم والساعة ، وأن لكلّ واحد من الأقسام أقساماً ، فهذا من جهة ، ومن جهة اُخرى ، فقد اتّفقوا على أنّ تجدّد الطبيعة أمر بسيط ، وانتزاع المركّب من البسيط محال .
هذا كلّه من الناحية العقليّة .
وأمّا من الناحية العرفيّة ، ومن المعلوم أن بحثنا عرفي لا فلسفي ، فإنّ أهل العرف يرون الزمان ظرفاً للزمانيّات ، وتشهد بذلك إطلاقاتهم في الكلمات الفصيحة ، حيث يجعلون الزمان ظرفاً للحادثة كما يجعلون المكان ظرف لها ، وقال ابن مالك في ( ألفيّته ) :
« الظّرف وقت أو مكان … » .
ثم إنّ مرادنا من « الذات » المأخوذة في المشتق هو الذات المبهمة من جميع الجهات إلاّ من حيثية انتساب المبدء إليها ، فعندما نقول « المفتاح » فالذات المأخوذة فيه مبهمة من جميع الجهات إلاّ من جهة نسبة الفتح ، ولذا ينطبق هذا العنوان على تلك الآلة ، سواء كانت من حديد أو خشب أو غيرها ، وكذا على من فتح عقدةً أو حلّ مشكلة . وعندما نقول « الحادث » فالذات المأخوذة فيه مفهوم مبهم من جميع الجهات إلاّ من جهة نسبة الحدوث إليها ، فهي حادثة سواء كانت عقلا أو إنساناً أو ناراً أو بياضاً … فإن صدق الحادث على كلّ واحد من ذلك حقيقي .
فظهر أنْ لا محذور من أخذ مفهوم جامع بين الزمان والمكان ، بأن يكون الموضوع له « المفعل » هو « ما وقع فيه الفعل » ويكون المصداق تارةً هو الزمان وليس له ما انقضى عنه التلبّس ، واخرى المكان ، وله المتلبّس وما انقضى عنه التلبّس بالمبدء .
فما ذهب إليه المحقّق الإصفهاني وأتباعه سالم عن الإشكال الثبوتي .
(1) حاشية المكاسب 1/26 ـ 27 .