* رأي المحقق الإصفهاني
إن المعنى الحرفي عبارة عن النسبة الخاصة الموجودة في مورد تحقّقها ، فالحروف والهيئات موضوعة للروابط والنسب الخاصة الموجودة في أنحاء المنسوبات المختلفة والمرتبطة المختلفة(1) .
توضيحه : إن الوجود ينقسم إلى :
1 ـ الوجود الجامع لجميع النفسيّات ، وهو الله عزّ وجلّ ، فإنهم يقولون بأنّه وجود في نفسه بنفسه لنفسه .
2 ـ الوجود في نفسه لنفسه بغيره ، وهو الجوهر .
3 ـ الوجود في غيره لغيره بغيره ، وهو العرض .
وفي مقابلها : الوجود الذي لا نفسيّة له أصلا ، وجميع أنحاء النفسيّات مسلوبة عنه ، بل نفسيّته بالطرفين ووجوده في الغير ، وهذا الوجود غير محمول على شيء من الماهيّات ، وإنما هو وجود شيء لشيء ، بخلاف وجود الجوهر ، ووجود العرض ، فإنه وجود محمولي ، نقول : العقل موجود ، القيام موجود ، أما مفاد كان الناقصة : كزيد كان قائماً ، فإنه وجود غير قابل للحمل على موضوع ، إنه ليس بكون شيء ، بل هو كون شيء ـ أي القيام ـ لشيء وهو زيد ، فهو كون رابط ، ووجود قائم بوجودين .
وعلى الجملة ، ففي الوجودات الخارجيّة وجود شيء ، وجود شيء لشيء ، والأوّل وجود محمولي دون الثاني .
وكذلك الحال في المعاني ، فإن هناك معنىً قائماً بنفسه ، ومعنىً غير قائم بنفسه بل ذاته التعلّق بالغير والقيام بالطرفين ، وهذا القسم هو حقيقة النسبة ، إذ النسب في جميع القضايا ذاتها التعلّق والقيام بالمنتسبين ، إذ بمجرد فرض وجود للنسبة في قبال المنتسبين يلزم احتياجها إلى النسبة ، وهذا الثالث يحتاج إلى نسبة ، وهكذا .
فوزان حقيقة النسبة وزان الوجود الرابط ، فكما أنّ في ذات الوجود الرابط التعلُّق وعدم النفسيّة ، فكذا قد وقع التعلّق وعدم الإستقلال في ذات النسبة . ومعاني الحروف من هذا القبيل .
إنّ النسبة التي تحصل بين زيد والقيام في زيد القائم ـ الذي هو مركّب ناقص ـ هي مدلول هيئة زيد القائم .
والنسبة الحاصلة في زيد قائم ـ التي هي جملة خبريّة ـ مدلول هيئة الجملة الاسميّة .
والنسبة الحاصلة بين السير وبين المتكلّم هي مدلول هيئة سرت .
والنسبة الحاصلة بين السير والبصرة ـ نسبةً ابتدائيةً ـ هي مدلول كلمة « من » الموجودة في الكلام .
والنسبة الحاصلة بين زيد والدار ـ نسبة الظرفية ـ مدلول لفظة « في » .
إذن ، جميع النسب إما هي مدلولات الحروف أو هي مداليل الهيئات .
واتّضح أن المعنى الحرفي هو الواقع الذي يتحقّق به الربط بين أجنبيين ، فهذا الواقع هو معنى الحرف ، وهو غير مفهوم لفظ النسبة ، وغير مفهوم لفظ الربط ، بل بين مفهوم الربط وواقعه ومصداقه تباين ، لأن مفهوم الربط مفهوم اسمي ، محتاج إلى الربط ، مستقل في التعقّل ، بخلاف واقع الربط ومصداقه ، فهو معنى حرفي .
إن هذه النسبة موجودة في جميع القضايا ، كقولنا : زيد موجود ، وهي مفاد كان التامّة ، وكان زيد موجوداً ، وهي مفاد كان الناقصة ، فلا يقال لا نسبة في مفاد كان التامّة ، ففي كلتا القضيّتين المعنى الحرفي ـ وهو النسبة ـ موجود ، لأن المعنى : زيد له القيام ، وزيد كان له القيام ، فهذه اللاّم تجعل زيداً منسوباً إلى القيام .
(1) نهاية الدراية 1/51 ط مؤسّسة آل البيت عليهم السلام.