دليل القول الأوّل
لا شبهة في الإمكان الذاتي للإشتراك ، فهو ليس كشريك الباري واجتماع النقيضين مما هو ممتنع بالذات ، بل الكلام في الإستحالة الوقوعيّة أو الإستحالة من الحكيم .
فالمستفاد من كلام المحقق النهاوندي في ( تشريح الاصول )(1) هو : إن الوضع جعل الملازمة بين اللّفظ والمعنى ، فيلزم جعل ملازمتين مستقلّتين عرضيّتين ، أحداهما : بين لفظ القرء والطهر ، والاخرى : بين لفظ القرء والحيض ، فيلزم من إطلاق لفظ القرء حضور المعنيين إلى الذهن .
وفيه :
أوّلا : إنه مبنيّ على كون حقيقة الوضع جعل الملازمة بين اللّفظ والمعنى ، وأمّا على سائر المباني فلا محذور .
وثانياً : أيّ محذور يترتّب حتى على المبنى المذكور ؟ إنّ الملازمة بين اللّفظ والمعنى ليست فعليّة ، بل هي اقتضائية ، كما نبّه عليه المحقق الإصفهاني ، بمعنى أنه لو حصل العلم بالملازمة ، فإن التلازم بين اللّفظ والمعنى يوجب حضور المعنى عند الذهن عند التلفّظ بالكلمة ، وجعل اقتضائين في لفظ واحد لا يترتب عليه أيّ محال ، لأن معنى الإمتناع الوقوعي هو لزوم أمر ممتنع من وقوعه ، بل إن حضور المعنيين ممكن بل واقع ، لأن كلّ تصديق يتوقّف على حضور الموضوع والمحمول والنسبة والحكم ، وكلّ هذه الامور تحصل عند النفس في آن واحد ، إذْ النفس الإنسانية ليس كالموجودات الماديّة التي لا تقبل صورتين في آن واحد .
واستدلّ للإستحالة أيضاً : بأنّ الواضع حكيم ، والغرض من الوضع هو التفهيم ، والإشتراك ملازم للإجمال ، وهو ينافي التفهيم ، فوقوع المشترك ـ لكونه نقضاً للغرض ـ محال من الحكيم .
وقد اُجيب عنه بوجهين في ( الكفاية ) وغيرها :
الأول : إنه لا يلزم نقض الغرض ، لإمكان حصول التفهيم بالقرينة كما في المجاز .
وأشكل عليه شيخنا : بأنّ الإشتراك بنفسه موجب للإجمال ، والقرينة كما ذكر رافعة له ، إلاّ أن الكلام في حكمة ذلك ، وأنه ما الغرض من إيجاد المنافي للغرض ثم رفع المنافي بإقامة القرينة … لقد كان لهذا حسنٌ في باب المجاز ، فما الدليل على حسنه في باب المشترك ؟
والثاني : إنه قد يتعلَّق الغرض بالإجمال .
وأشكل عليه الاستاذ : بإمكان الإجمال لا بوضع المشترك ، فكما يقول : « رأيت عيناً » له أنْ يقول « رأيت شيئاً » .
وتلخّص : إن القول بالإستحالة العقلائيّة ـ لا العقليّة ـ له وجه وجيه .
(1) تشريح الاصول : 47.