ثمرة البحث
واختلفوا هل لهذا البحث ثمرة أو لا ؟
ذهب المحقق الخراساني ـ وتبعه المحقق العراقي ـ إلى الأوّل ، وحاصل كلام المحقق الخراساني هو :
إنه إنْ قلنا بثبوت الحقيقة الشرعيّة تظهر ثمرة البحث إذا علمنا بتاريخ وضع اللّفظة واستعمالها ، فنحمل اللّفظة الصادرة عن لسان الشارع قبله على المعنى اللغوي والصادرة بعده على المعنى الشرعي . وإن قلنا بعدم ثبوتها تحمل الألفاظ الصادرة على المعنى اللغوي . أمّا لو جهلنا تاريخ الإستعمال فمقتضى القاعدة هو التوقّف ، إذ لا طريق لدعوى كون الإستعمال متأخّراً عن زمان الوضع الشرعي إلاّ أصالة تأخر الإستعمال ، بتقريب أنه قد صدر الوضع والإستعمال من الشارع يقيناً ، والإستعمال أمر حادث ، فنستصحب عدم تحقّق الإستعمال إلى زمان الوضع . ولكن هذا الإستصحاب فيه :
أوّلا : إنه أصل مثبت ، إذ ليس الإستعمال حكماً شرعيّاً ولا موضوعاً لحكم شرعي ، ولازم عدم الإستعمال إلى زمان تحقّق الوضع هو كون اللّفظ مستعملا في المعنى الشرعي ، وهذا لازم عقلي .
وثانياً : إنه معارض باستصحاب عدم الوضع إلى زمان الإستعمال ، لأن الوضع أيضاً أمر حادث .
وإنْ اريد التمسّك ببناء العقلاء لحمل الإستعمال على الحقيقة ، بدعوى أنهم مع الشك في كونه حقيقة أو مجازاً يحملونه على الأوّل ، ففيه : إن هذا البناء موجود عندهم ، بالإضافة إلى أصل النقل عن المعنى اللّغوي إلى المعنى الشرعي ، أما مع العلم بتحقق النقل والشك في تاريخه فلا يوجد هكذا بناء .
ثم إنه أمر بالتأمّل .
وقال السيد الحكيم(1) في وجه التأمّل : لعلّه وجود البناء منهم في مورد العلم بالنقل والشك في تاريخه كما نحن فيه ، فتكون النتيجة الحمل على المعنى اللّغوي .
قال شيخنا : لا ريب في توقّف العقلاء في مثله ، فليس هذا وجه التأمّل ، بل الأولى أن يقال : لعلّه يتأمّل في أصل المطلب ، وهو ترتّب الثمرة في صورة العلم بالتاريخ ، وأنه يحمل على المعنى الشرعي إذا علم تاريخ الإستعمال ، لإمكان الحمل في ما صدر قبل الوضع الشرعي على المجاز المشهور بسبب كثرة الإستعمال لا الحمل على المعنى الحقيقي اللّغوي .
أو لعلّه أراد التنبيه على الخلاف بينه وبين الشيخ في مثل المورد ، حيث أن الشيخ يرى تعارض الأصلين فيه ، وهو يقول في مثله بعدم المقتضي للجريان ، فلا تصل النوبة إلى المعارضة ، إذ مع الجهل بتاريخهما لا يحرز اتّصال المشكوك بالمتيقَّن .
هذا تمام الكلام على وجه ترتّب الثمرة .
وذهب المحقّق النائيني ومن تبعه إلى نفي الثمرة من أصلها ، وقال بعدم ترتّبها حتّى مع ثبوت الحقيقة الشرعيّة ، وذلك لعدم الشك عندنا في كون المراد بهذه الألفاظ الواردة في الكتاب والسنّة هو المعاني الشرعيّة ، أمّا الآيات فلا ريب في كون المراد من « الصلاة » و « الزكاة » وغيرهما هو المعاني الشرعيّة لا اللغويّة ولا المعاني التي اريدت منها في الشرائع السابقة .وأما الروايات ، فالوارد منها من طرق المخالفين ليس بحجّة عندنا ، والوارد من طريق الأئمّة فإنّهم قد بيّنوا معانيها ، وقد ثبت لزوم حملها على المعاني الشرعيّة .
وقد أشكل على الميرزا : بأنّ « الصلاة » في قوله تعالى ( قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى )(2) مرددة بين المعنى اللّغوي والشرعي ، فالبحث عن الحقيقة الشرعيّة يثمر فيها .
وفيه : إنه قد جاءت روايات عديدة في أن المراد منها هي الزكاة بعد صلاة الفطر ، منها صحيحتا زرارة وأبي بصير(3) ، فلا شبهة في المراد منها ، وليس هناك غيرها مورد للشبهة ، فالإشكال يندفع .
وأشكل الاستاذ في الدورة السابقة : بأنّه ليس كلّ ماورد عن طريق المخالفين فليس بحجّة ، إذ الملاك للحجيّة هو الوثوق بالصدور ، فتظهر ثمرة البحث عن الحقيقة الشرعيّة فيها .
وهذا الإشكال لم يذكره في الدورة اللاّحقة ، ولعلّه لعدم حصول الوثوق بالصّدور من طرقهم ، أو لعلّه لعدم كفاية الوثوق بالصدور ، أو لعلّه لوجود ما ورد عن طرقهم مورداً للوثوق بالصدور في طرقنا مع تبيين الأئمة له .
هذا ، وقد اختار شيخنا عدم ترتّب الثمرة ، من جهة أن ترتّبها يتوقّف على العلم بالتاريخ كما تقدَّم ، ولا طريق لنا إلى ذلك ، وعليه ، فمن المحتمل صدورها قبل صيرورتها حقيقةً في المعنى الشرعي ، ومع وجود هذا الإحتمال ـ حتى مع القول بثبوت الحقيقة الشرعيّة ـ لا يمكن حمل الألفاظ على المعاني الشرعيّة .
نعم ، الألفاظ الصادرة في أواخر عهد الرسالة كلّها محمولة على المعاني الشرعيّة قطعاً ، سواء قلنا بثبوت الحقيقة أو لا ، كذلك .
فالحقّ أنه لا ثمرة للبحث .
(1) حقائق الاصول 1/52 ط مكتبة البصيرتي.
(2) سورة الأعلى : 14.
(3) وسائل الشيعة 9/318 الباب 1 من أبواب زكاة الفطرة ، رقم : 5.