تعريف المحقق العراقي
بل إنّ هذا الإشكال يتوجّه على تعريف المحقق العراقي بأنّه القواعد الخاصّة التي تعمل في استخراج الأحكام الكليّة الإلهيّة أو الوظائف العملية الفعلية ، عقليّة كانت أم شرعيّة(1) .
ولذا تعرّض له المحقق المذكور ، وأجاب بما حاصله : أنا نختار الشق الثاني ، ومع ذلك نلتزم بخروج الامور المزبورة عن مسائل الاصول . وذلك :
أمّا أولا : فلوضوح أن المهم والمقصود في العلوم الأدبية كالنحو والصرف ليس هو إثبات الظهور للكلمة والكلام ، بل المهمّ فيها هو إثبات كون الفاعل مرفوعاً والمفعول منصوباً ، بخلاف مباحث الأمر والنهي والعام والخاص … في علم الاصول ، فإنها تتكفّل إحراز الظهور في الكلمة والكلام .
وأمّا ثانياً : على فرض أن المقصود في العلوم الأدبيّة أيضاً إحراز الظهور في شيء كظهور المرفوع في الفاعلية ، والمنصوب في المفعولية ، فإنّ غاية ما يقتضيه ذلك حينئذ إنّما هو وقوع نتيجتها في طريق استنباط موضوعات الأحكام ، لا نفسها ، والمسائل الاصولية إنما كانت عبارة عن القواعد الواقعة في طريق استنباط نفس الأحكام الشرعيّة العملية . وتوهّم استلزامه خروج مثل مباحث العام والخاص أيضاً ، مدفوع بأنّها وإنْ لم تكن واقعةً في طريق استنباط ذات الحكم الشرعي ، إلاّ أنها باعتبار تكفّلها لإثبات كيفية تعلّق الحكم بموضوعه كانت دخيلةً في مسائل الاصول ، كما هو الشأن أيضاً في مبحث المفهوم والمنطوق ، حيث أن دخوله باعتبار تكفّله لبيان إناطة سنخ الحكم بشيء ، الذي هو في الحقيقة من أنحاء وجود الحكم وثبوته . وهذا بخلاف المسائل الأدبية ، فإنّها ممحّضة لإثبات موضوع الحكم ، بلا نظر فيها إلى كيفيّة تعلّق الحكم أصلا .
وبهذا البيان يظهر الوجه في خروج مباحث المشتق ، لأنّها لا تتكفّل الحكم لا بنفسه ولا بكيفيّة تعلّقه بموضوعه .
هذا كلّه لدفع الإشكال بالنسبة إلى سائر العلوم . أمّا علم الرجال، فقد التزم بدخوله في مسائل علم الاصول ، غير أنّه بحث عنه على حده .
لكن يرد على جوابه بالنسبة إلى العلوم الأدبيّة ، بأنه لا فرق ـ بناءً على ماذكره ـ بين البحث عن مفاد لفظ « كلّ » والبحث عن مفاد لفظ « الصعيد » مثلا ، ففي الثاني أيضاً يبحث عن كيفيّة تعلّق حكم التيمّم بموضوعه ، وأنّه هل هو خصوص التراب أو مطلق وجه الأرض ؟ فلماذا يكون البحث عن مفاد « كلّ » من الاصول ، دون البحث عن مفاد « الصّعيد » ؟ قاله شيخنا الاستاذ دام بقاه .
أقول : وفيه تأمّل ، لأنّ البحث عن مفاد « كلّ » مثلا ، بحث عن كيفيّة تعلّق الحكم بموضوعه من حيث كونه عامّاً ، أمّا البحث عن مفاد « الصعيد » فهو بحث عن المعنى الموضوع له هذا اللّفظ ، وأنّه التراب أو وجه الأرض ، ولم يلحظ في هذا البحث حيثية سعة المفهوم أو ضيقه ، وإنّما توجد هذه الحيثيّة عندنا ، فعندما ننظر إلى المعنيين نجد بينهما هذا التفاوت .
(1) نهاية الافكار 1 / 20.