تصوير الجامع على الصّحيح
1 ـ تصوير المحقق الخراساني
إنا نرى أنه يترتّب على الصلاة ـ بعنوان أنها صلاة ـ أثر واحد ، من غير فرق بين الحالات والكيفيّات ، مع عرضها العريض ، من الصلاة التي تقع بتكبيرة واحدة فقط ، حتى الصلاة التامّة الأجزاء والشرائط ، وذاك الأثر هو كونها عمود الدين ـ مثلا .
فهذه مقدّمة .
والمقدّمة الاخرى هي : إنه لابدّ من السنخيّة بين المقتضي والمقتضى ، والأثر والمؤثر .
والمقدمة الثالثة هي : أن بين الواحد بما هو واحد ، والكثير بما هو كثير تعاند وتقابل ، للتقابل بين الوحدة والكثرة ، ومعه يستحيل صدور الواحد عن الكثير ، فيستحيل صدور « عمود الدين » الواحد بالوحدة النوعيّة عن المتكثّرات ، إذن ، لابدّ وأنْ تنتهي الكثرة إلى وحدة ، كي تتم السنخيّة بين الأثر والمؤثّر .
إذن ، يوجد بين جميع أشخاص وأصناف الصّلاة الصحيحة جامع يكون هو المنشأ لهذا الواحد النوعي من حيث الأثر ، وهو الموضوع له لفظ « الصلاة » .
واُورد عليه :
إنّ القاعدة المقرّرة عند أهل الفن من أن الأثر الواحد لابدّ وأن ينتهي إلى مؤثّر واحد ـ ببرهان امتناع صدور الواحد عن الكثير ـ إنّما تتعلَّق بالواحد من جميع الجهات والحيثيّات ، أي البسيط الحقيقي ، فموردها الواحد الشخصي البسيط ، وأمّا فرض المحقق الخراساني فهو الواحد النّوعي ، فإن « معراج المؤمن » و « الناهي عن الفحشاء » ونحو ذلك ليس واحداً شخصيّاً .
وفيه :
إن المذكور عند أهل الفن قاعدتان ، إحداهما : القاعدة المذكورة ، وموردها الواحد الشخصي والبسيط من جميع الجهات والحيثيات كما ذكر ، والاخرى : قاعدة لزوم السنخيّة بين المعلول والعلّة ، الأثر والمؤثر ، وموردها مطلق الواحد لا خصوص الواحد الشخصي ، فالواحد النوعي مثل « معراج المؤمن » إذا كان أثراً يلزم أن يكون بينه وبين المؤثّر له سنخيّة ، فلابدّ من وجود وحدة نوعيّة بين أفراد الصّلاة المختلفة ، ـ من صلاة الحاضر الجامعة بين الأجزاء والشرائط ، والمسافر التي هي قصر ، والمريض الذي يصلّي من جلوس ، والمحتضر ، والغريق ـ تكون تلك الوحدة هي العلّة لهذا المعلول « معراج المؤمن » والمؤثر لهذا الأثر .
فهذا مقصود المحقق الخراساني ، ولا يرد عليه الإشكال .
وأورد عليه :
بأن الواحد المذكور ليس بواحد نوعي ، بل هو واحد عنواني ، والبرهان المذكور لا يجري في الواحد العنواني ، إذ إن الواحد العنواني لا يتّحد مع أفراده ، لا في الوجود ولا في المفهوم ، فعنوان « الربط » مثلا لا يقبل الإتحاد مع مصاديق الرّبط وأفراده ، لكونه معنًى اسميّاً والمصاديق معان حرفيّة ، ومصاديق الواحد النوعي متّحدة حقيقةً ، أما مصاديق الواحد العنواني كعنوان « الناهي عن الفحشاء » الذي هو من عناوين « الصلاة » مختلفة بالحقيقة ، ومنها : الزنا والكذب وشرب الخمر والغيبة والسرقة …
وفيه :
إن الأثر للجامع هو « النهي » فقط ، وهو الزجر ، وهذا أثر نوعي ، إلاّ أنّ متعلَّقات النهي مختلفات ، لكنّ الأثر شيء ومتعلَّقه شيء آخر ، وما نحن فيه من قبيل « العلم » ، فإنّه حقيقة واحدة ، لكنّ متعلّقه يختلف فيكون جوهراً تارةً وعرضاً اخرى …
فالإشكال غير وارد .
وأورد عليه :
بأنّ تأثير المتكثّرات في الأثر الواحد الفعلي محال ، أمّا تأثيرها في القابليّة فلا مانع منه ، فالنهي عن الفحشاء بالفعل لا يمكن صدوره من متعدّد ، أمّا القابلية للنهي فيمكن ، بدليل أن عدم المانع ووجود الشرط أمران متغايران ، إلاّ أنهما يؤثّران في القابليّة ، بأن يكون المحلّ قابلا لأنْ يتحقق فيه أثر المقتضي وهو المقتضى . إذن ، يمكن تصوير قابليّة النهي عن الفحشاء المترتبة على الصّلاة ، فترتّب الأثر الواحد من المتعدّد .
وفيه :
إن القابليّة من الامور الإضافيّة ، فهناك قابل ومقبول وقابليّة ، ومقولة الإضافة من الأعراض الموجودة بعين وجود الموضوع كالفوقيّة والتحتيّة ـ ومن الأعراض ما يوجد بغير وجود الموضوع لكنه قائم بالموضوع كالبياض والسواد ـ وإذا كانت من الأعراض الوجودية ، فكيف يكون الأمر العدمي ، أعني عدم المانع ، مولّداً للأثر ؟
هذا أوّلا .
وثانياً : إن القابليّة الحاصلة من الشرط غير القابليّة الحاصلة من عدم المانع ، فمن كلّ منهما تحصل درجة من الأثر ، فلم يتحقق الواحد من المتعدّد.
Menu