تأسيس الأصل من الجهة الاصوليّة
والأصل في هذه الجهة إمّا عقلائي وإمّا تعبّدي ، وهو ـ على كلّ تقدير ـ مفقود ، كما سيأتي ، ولنذكر قبل الورود في بيان ذلك ، ما يلي :
إن المفروض هو الجهل بسعة مفهوم الهيئة وأنه أعمّ من المتلبّس وما انقضى عنه ، أو ضيقه وأنه خصوص حال التلبّس ، فهل يكون هذا التردّد من قبيل دوران الأمر بين الأقل والأكثر أو من قبيل المتباينين ؟
قالوا : بأنه من قبيل الأوّل .
فقال الاستاذ دام بقاه : بأنّ النسبة بين العام والخاص ، وكذا المطلق والمقيّد ، في مرحلة الصّدق على الخارج ، هي النسبة بين الأقل والأكثر ، لأنّ كلّ خاصّ فهو العام مع خصوصيّة إضافيّة فيه ، كما في أعتق رقبةً مؤمنة ، أمّا النسبة بينهما في مرحلة اللّحاظ والتصوّر فهي التباين ، ومن هنا قال المحقق الإصفهاني بأن التقابل بين الإطلاق والتقييد هو تقابل التّضاد ، فهما بحسب الوجود الخارجي مجتمعان ، أما بحسب اللّحاظ فلا يجتمعان .
وبناءً على هذا ، فلمّا كان بحث المشتق يدور حول المعنى الموضوع له الهيئة ، وهذا ممّا يتعلَّق بمرحلة التصوّر لا مرحلة الصدق الخارجي ، فالنّسبة بين الأخصّ والأعم من قبيل المتباينين .
وفائدة هذا المطلب هي : أنه إنْ كان من الأقل والأكثر ، فالجامع بين المتلبّس ومن انقضى عنه التلبس ملحوظ لا محالة ، ويرجع الشك حينئذ إلى الزائد ، فيكون خصوص التلبّس مجرى الأصل … إلاّ أن القوم قالوا بجريان الأصل في كلا الطرفين ، وهذا مما يشهد بكون مورد البحث من المتباينين لا من الأقل والأكثر .
فالبحث من الجهة الاصوليّة شبهة مفهوميّة مردّدةٌ بين متباينين ، لأن كلاًّ من المتلبّس والأعمّ يلحظ بلحاظ مستقل . أمّا من الجهة الفقهيّة ، فشبهة مفهوميّة مردّدة بين الأقل والأكثر ، كما سيأتي .
فهل هناك أصل ليرجع إليه في هذه الجهة ؟ إن صورة المسألة هي : إن المشتق إن كان موضوعاً للأعم فهو مشترك معنوي ، وإنْ كان موضوعاً لخصوص المتلبّس ، فاستعماله في الأعم مجاز ، فيعود الأمر إلى الدوران بين الإشتراك والمجاز ، فهل من أصل عقلائي ؟
كلاّ ، لا يوجد عند العقلاء أصل يرجعون إليه في مثل هذه المسألة ، إلاّ أن يقال بأنّ الغلبة مع الإشتراك ، والشيء يلحق بالأعمّ الأغلب في السيرة العقلائية .
لكن الغلبة غير ثابتة ، والسّيرة غير مسلّمة .
هذا ، بغض النظر عن أنّا بصدد تأسيس الأصل ، والترجيح بالغلبة الذي هو من مرجّحات باب تعارض الأحوال يعدُّ من الأدلّة .
وهل من أصل تعبّدي ؟ والمراد أصالة عدم لحاظ الواضع لدى الوضع خصوص المتلبّس وحال التلبّس مثلا ، ولكن فيه :
أوّلا : إنّ موضوع الأثر هو الظهور ، وأمّا اللّحاظ فليس موضوعاً للأثر ، فلا يجري فيه الإستصحاب .
وثانياً : إن إستصحاب عدم لحاظ خصوص المتلبّس لازمه لحاظ الأعمّ منه ومن انقضى عنه التلبّس ، فلا يثبت الوضع للأعمّ إلاّ على القول بالأصل المثبت .
وثالثاً : إذا كانت أركان الإستصحاب في طرف عدم لحاظ خصوص المتلبّس تامّةً ، فهي في طرف عدم لحاظ الأعمّ تامّة كذلك ، فيقع التعارض بينهما ويسقطان بالمعارضة .
Menu