بقي الكلام في رأي الشيخ و الميرزا
قد فرغنا من ذكر تصويرات المحققين الخراساني والعراقي والإصفهاني بناءً على الوضع للصحيح .
أمّا المحقق النائيني فلم يتصوَّر الجامع ، لا بناءً على الصحيح ولا بناءً على الأعم .
أما على الصحيح ، فلأن مراتب الصحّة متعدّدة ، فأقلّ مراتب الصّلاة الصّحيحة صلاة الغريق ، وأعلى مراتبها صلاة الحاضر القادر المختار ، وبينهما وسائط كثيرة ، وتصوير الجامع الحقيقي الذي يتعلَّق به الأمر ويجمع تمام المراتب صعب . وأمّا على الأعم فأصعب ، فإنّ كلّ صلاة فرضت إذا بدّل بعض أجزائها إلى غيرها بقي الصّدق على حاله .
قال : ويمكن دفع الإشكال عن كلا القولين بالإلتزام بأن الموضوع له لفظ الصّلاة هو عبارة عن صلاة العالم العامد القادر ، وأمّا باقي الصلوات فهي أبدالٌ للموضوع له ، وإنّما تسمى بالصلاة ادّعاء أو مسامحة ، نعم ، يمكن تصوير جامع بين القصر والإتمام فقط .
ولمّا كان الأصل في كلامه هو ما جاء في (تقريرات) الشيخ الأعظم قدّس سرّه فلابدّ من التعرّض لذلك ، وهذا حاصله(1) :
إنّ « الصلاة » معناها عبارة عن الصلاة ذات الأجزاء والشرائط ، فهل المراد منها خصوص ما يأتي به المكلّف العالم العامد القادر المختار ، أو الأعم منه ومن الجاهل والناسي والعاجز وغير المختار ؟ فهل الموضوع له هو الأجزاء والشرائط بالمعنى الأخص ، وقد عبّر عنه بالأجزاء والشرائط الشخصيّة ، أو بالمعنى الأعم الذي عبّر عنه بالأجزاء والشرائط النوعيّة ؟
قال الشيخ : فيه وجهان ، أحدهما : القول بأنّ الصلاة هي الواجدة للأجزاء والشرائط لمن هو عالم قادر مختار ، وعليه ، فصلاة غيره من المكلَّفين ليست بصلاة بل هي بدل عن الصلاة .
والوجه الثاني : القول بأن الصّلاة هي الواجدة للأجزاء والشرائط من سائر المكلَّفين ، وعليه ، فلابدّ إمّا من القول بالإشتراك اللفظي ، وإمّا من القول بالإشتراك المعنوي . أمّا الأوّل فباطل ، وأمّا الثاني فالجامع إن كان مركّباً لزم تداخل الصحيح والفاسد ، وإن كان بسيطاً فهو إمّا « المطلوب » أو الملزوم المساوي له ، أمّا الأوّل فمحال ، للزوم أخذ ما هو المتأخّر عن المسمّى في المسمّى ، وأمّا الثاني فهو خلاف الإجماع القائم على جريان البراءة في دوران الأمر بين الأقل والأكثر في الأجزاء والشرائط ، وهذا المعنى البسيط لا يتصوَّر فيه ذلك .
وعلى الجملة ، فإن لفظ « الصلاة » موضوع لصلاة القادر المتمكن من جميع الأجزاء والشرائط ، وهي المرتبة العليا من مراتب الصلاة ، وتصوير الجامع لجميع المراتب غير ممكن ، غير أنّ المتشرعة لمّا رأوا أن صلاة العاجز مثلا وافية أيضاً بالغرض من الصلاة ـ وهو النهي عن الفحشاء مثلا ـ استعملوا هذا اللّفظ فيه ، تنزيلا لفاقد الجزء مثلا بمنزلة الواجد له ; بلحاظ الإشتراك في الأثر ، وكان حقيقةً عرفيّة ، ونظيره لفظ « الإجماع » في الاصول ، فقد اُريد منه أوّلا اتّفاق الكلّ ، ثم لمّا وجدوا اتّفاق البعض الكاشف عن رأي المعصوم أو الدليل المعتبر يشارك المعنى الأصلي في حصول الغرض منه ، فأطلقوا عليه لفظ الإجماع وكان صادقاً عليه ; وكذلك لفظ « الخمر » في العرف ، فإنه قد وضع أوّلا للمتّخذ من العنب ، ثم إنه لأجل حصول الأثر من المتّخذ من التمر مثلا سمّوا هذا أيضاً خمراً ، فكان المعنى الأعم ، للحاظ الأثر وهو الإسكار .
قال شيخنا :
في كلامه قدّس سرّه نظر من جهتين :
الاولى : إنه جعل الإطلاق الأوّلي للفظ الصلاة ، للصلاة الواجدة للأجزاء والشرائط من العالم العامد المختار القادر ، فكان الموضوع له هو الأجزاء والشرائط الشخصيّة حسب تعبيره ، وأمّا غير هذا الفرد فقد أطلق عليه اللّفظ بسبب حصول الغرض منه ـ كما في لفظ الإجماع ـ وحينئذ ، فقد واجه الشيخ إشكالا في تعميم الشرائط ، فدليل اعتبار الطهارة يتعذر التمسك به لاشتراطها في صلاة الناسي والعاجز ، وكذا أدلّة الموانع والقواطع ، فالتزم هناك بالتمسّك بالإجماع على الإشتراط .
لكنْ يرد عليه : إن نفس صلاة العالم القادر المختار لها أفراد ، كصلاة الجمعة المشتملة على الأجزاء من الخطبتين وغيرهما ، وعلى الشرائط كالعدد والسلطان العادل ، وكصلاة الظهر الفاقدة لجميع هذه الأجزاء والشرائط ، وكصلاة العيدين المعتبر فيها أجزاء اخرى ، وكصلاة الآيات ، وكصلاة المسافر التي هي بشرط لا عن الركعتين في مقابل صلاة الحاضر التي هي بشرط شيء ، فكيف يمكن فرض الأجزاء الشخصيّة ؟ فإن قال الشيخ بذلك في مرتبة العالم القادر المختار فقط ، لزم القول في غير هذه المرتبة إمّا بالإشتراك اللّفظي وإمّا بالإشتراك المعنوي ، والثاني إما بسيط وإما مركّب . فيعود الإشكال ويرجع ماذكره على نفسه .
والثانية : إن ماذكره لا يتناسب مع مقام الإثبات ، فجميع النصوص تسمّي صلاة العاجز بالصّلاة ، وكذا صلاة الناسي ، تماماً كما في صلاة العالم القادر المختار ، ولا وجه لتخصيصها بصلاة القادر العالم المختار ، فإن اعتبار الطهارة في صلاة العاجز مثلا إنما هو لإطلاق دليل « لا صلاة إلاّ بطهور » وليس بالإجماع .
وتلخص : أن كلام الشيخ غير مقبول ، وكلام الميرزا المبتني عليه أيضاً غير مقبول .
ثم إنّ المحقق النائيني ـ بعد أنْ قال بصعوبة تصوير الجامع كما في ( أجود التقريرات ) وأن لفظ الصلاة موضوع للمرتبة العالية ، وأنه يستعمل في غيره ادّعاءً أو مسامحةً ـ قال : بأن وضع الأسماء للمركّبات كأسماء المعاجين هو من هذا القبيل ، فإن اللّفظ قد وضع للمرتبة العالية الكاملة ، ومع ذلك يستعمل في الفاقد لبعض الأجزاء ، من جهة الإشتراك في الأثر ، وأما الفاقد للتأثير فإنّه يستعمل فيه من باب تنزيل الفاقد بمنزلة الواجد ، أو من جهة المشابهة في الصورة .
وفيه :
أوّلا : إنّ التنظير المذكور في غير محلّه ، فصانع المعجون لا إحاطة له بما يطرء على صنعه ، بخلاف الشارع .
وثانياً : إنّ تشخيص المرتبة العالية في مثل الصلاة غير ممكن ، لعين ما تقدّم من الإختلاف بين أفراد الصّلاة ، فإنه مع ذلك لا يمكن تصوير مرتبة واحدة من المراتب العالية لتكون الموضوع له .
(1) مطارح الأنظار : 9.