الوجه الثالث
إن قوله تعالى : ( أُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ ) ظاهر في « اُمّ الزوجة » بالفعل ظهوراً إطلاقيّاً لا وضعيّاً ، لأن الدّلالة على الفعليّة إنما جاءت من ناحية الإضافة ، وهي ليس موضوعةً للتلبّس الفعلي ، فعند الإطلاق وعدم القرينة يحمل الكلام على الفعليّة .
إلاّ أن المراد هنا هو الأعمّ من الفعلي قطعاً ، لقرينة السياق ، فإنّ قوله تعالى : (أُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ ) ورد في سياق قوله ( وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم )ومن المسلّم به أن المراد من « الربيبة » هنا هو الأعمّ من بنت الزوجة الفعليّة المدخول بها ، والتي انسلخت عنها الزوجيّة ، ومقتضى وحدة السّياق إرادة الأعمّ في طرف ( أُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ ) فتندرج الكبيرة تحت هذا العنوان ، فتحرم على الزوج .
أقول :
هنا بحثان ، أحدهما صغروي والآخر كبروي .
أمّا البحث الصغروي ، فقد زعم بعضهم عدم وجود السياق هنا ، بدليل أنّ حرمة الربيبة إنّما ثبتت بدليل خارج .
قال شيخنا : وفيه : أنه قد ورد في الصحيح أن الإمام عليه السلام قد أخذ بعموم الآية المباركة ، وبذلك تتحقّق وحدة السياق ، فعن محمد بن مسلم قال : « سألت أحدهما عليهما السلام عن رجل كانت له جارية فأُعتقت ، فتزوّجت ، فولدت ، أيصلح لمولاها الأوّل أن يتزوّج ابنتها ؟ قال : لا ، هي حرام ، وهي ابنته ، والحرّة والمملوكة في هذا سواء .
… وعن صفوان ، عن العلاء بن رزين ، مثله وزاد : « ثم قرأ هذه الآية : ( وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم ) … »(1) .
فقد قرأ عليه السلام الآية للدّلالة على أن هذه البنت ربيبة للرجل ، وهي حرام ، وإذا كان المراد من « الربائب » هذا المعنى الوسيع ، فكذلك في « امّهات النساء » .
فما ذكره في ( المحاضرات ) لا يمكن المساعدة عليه .
وأما البحث الكبروي ، وهو في حدّ تأثير وحدة السياق ، وقد اختلفت الأنظار في ذلك ، فقيل : إن أصالة الظّهور محكّمة في كلّ جملة من الكلام بالإستقلال ، ولا تأثير لوحدة السياق ، فقيام القرينة في جملة على كون المراد فيها هو العموم لا يؤثر في مدلول الجملة الاخرى . وقيل : بأنّ وحدة السياق من جملة القرائن الموجبة لحمل اللَّفظ على غير معناه الظاهر فيه . وقيل : بالتفصيل بين الظهور الإطلاقي والظهور الوضعي .
واختار شيخنا دام ظلّه القول الأوّل ، اللّهم إلاّ إذا كان ظهور اللّفظ في معناه ظهوراً ، إطلاقيّاً ، فلكونه أضعف من الظهور الوضعي يسقط بمجرّد احتفافه بما يحتمل القرينيّة ، والسياق إن لم يكن قرينة فإنه يحتمل القرينيّة ، فالقول الثالث ـ الذي هو مختار الأكثر ـ غير بعيد .
وإنّ مورد البحث من موارد الظهور الإطلاقي … وعليه ، يلزم الإجمال في « امّهات نسائكم » .
(1) وسائل الشيعة 20/458 ، الباب 18 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، رقم : 2.