النظر في كلام المحقق الإصفهاني
وأفاد شيخنا الاستاذ ـ بعد أن ذكر كلام المحقق الإصفهاني ـ في بيان مختاره في المقام : بأنه لا يوجد في مورد الحروف التي مداليلها الأعراض النسبيّة مثل «في» و « إلى » و « على » إلاّ معنى واحد ، فلا يتبادر إلى الذهن من لفظة « من » ـ مثلا ـ معنيان متباينان أحدهما الإبتداء والآخر معنى « من » ، ولا يتبادر من « في » معنيان متباينان أحدهما الظرفيّة والآخر مدلول « في » وهكذا ، بل ليس هناك إلاّ معنى واحد ، هو في مورد استعمال الحرف آلي وفي مورد استعمال الاسم استقلالي ، والمعنى في « على » و « الإستعلاء » وفي « من » و « الإبتداء » واحد ، وكذا في أمثالهما ، ولا تغاير فضلا عن التباين .
فما ذكره مخدوش بالوجدان .
إنه لا ريب في إفادة « في » في قولنا : زيد في الدار : كون زيد في هذا المكان الخاص ، فهو معنى زائد على الكون العام والمكان المطلق ، فبواسطة هذا الحرف تحقّق الظرفيّة والمظروفيّة بالإعتبار من الذهن ، وإلاّ فالموجود في الخارج ليس إلاّ معنى واحد وهو مدلول الحرف . ويشهد بذلك كلام الخواجة في مدلول اللاّم التي هي للتعريف ، فليس في قولنا : « العالم » معنيان متباينان أحدهما التعريف والآخر مدلول اللاّم .
ويدلّ على ذلك ـ مضافاً إلى الوجدان ـ أنا يمكننا إفادة المعنى الواحد بالإتيان بالاسم بدلا عن الحرف ، ولو كان تغاير بين الاسم والحرف في المعنى لتفاوت المعنى ، والحال أنْ لا تفاوت ، فلنا أن نقول : إبتداء سيري من البصرة إلى الكوفة ، كما نقول : سرت من البصرة إلى الكوفة ، ولا يتغيّر المعنى أصلا ، كما يصحّ أن يقال : الإناء ظرف للماء ، بدلا عن : الماء في الإناء ، بلا فرق في المعنى أصلا ، وبكلّ منهما يصح الجواب عن السؤال : ماذا في الإناء ؟ ولو كان ثمَّ اختلاف في المعنى لما صحّ الجواب بكلّ منهما على السّواء .
وعلى الجملة ، فإنه مضافاً إلى عدم البرهان على ماذكره المحقق الإصفهاني ، فالبرهان قائم بالإضافة إلى الوجدان على خلافه .
وتلخص : إن معاني الحروف في الحقيقة هي النسب فقط ] والمعاني الاسميّة المساوقة لها ـ مثل : الظرفيّة ، الإبتداء ، الإستعلاء ، الإنتهاء … ـ لا وجود لها في الخارج [ وهي معاني متقوّمة بالغير .
وهذا التقوّم دخيل في المعنى خلافاً لصاحب الكفاية إذ قال بعدم دخل التقوّم بالغير في المعنى .
وليس كلّها إيجاديّة خلافاً للميرزا .
وليس كلّها إخطاريّة خلافاً للإصفهاني .
وليس الأعراض النسبيّة خلافاً للعراقي ، على مايستفاد من تقريرات بحثه .
وأيضاً : مداليل الحروف هي النسب فقط وفاقاً للعراقي ، على ما استفدناه من ( المقالات ) .
ولا يوجد في مثل « زيد في الدار » إلاّ معنى واحد ، وهو النسبة التي هي مدلول « في » ، خلافاً للإصفهاني ، كما تقدّم .
ونسبة الإصفهاني ماذهب إليه إلى المحققين غير واضحة ، فالشيخ في إلهيّات ( الشفاء ) يحاول في بحث المضاف أن يثبت للإضافة وجوداً ، ولا يظهر منه أن يريد إثبات وجود للنسبة ، وبهمنيار في كتابه ( التحصيل ) ـ وهو تقرير درس الشيخ ـ في تحليل الوضع ، يصرّح بأن الوضع عبارة عن نسبة الأجزاء بعضها إلى بعض(1) ، وأيضاً ، يصرّح بأنّ الإضافة نسبة ، لكن ليس كلّ نسبة إضافة ، فالإضافة نسبة متكرّرة(2) . ولا دلالة في كلامه على تحقّق هيئة للمتضايفين من النسبة المتكرّرة .
ثم إنه بما ذكرنا ـ من صحّة وضع الحروف للنسب ـ ينهدم أساس ماذهب إليه المحقق الخوئي من أن المعنى الموضوع له الحرف هو التضييق في المعنى الاسمي ، لأنّ النسبة وجود رابط ، واللّفظ لا يمكن وضعه للوجود . فقد عرفت أنّ الصحيح هو الوضع للنسب ، على أنّ التضييق في المعاني الاسميّة بواسطة الحروف مسلَّم ، لكنّ كون ذلك هو المعنى الموضوع له الحرف أوّل الكلام ، فما ذكره خلط بين اللازم والملزوم .
هذا تمام الكلام في معاني الحروف ( الجهة الاولى ) .
(1) كتاب التحصيل : 33.
(2) كتاب التحصيل : 409.