المقدمة الرابعة (في تصوير الجامع)
إنّه ـ سواء قلنا بالوضع لخصوص الصحيح أو الأعم ـ لابدّ من تصوير جامع بين الأفراد ، وذلك ، لأن الوضع الخاص والموضوع له العام غير معقول ، وكذلك الوضع الخاص والموضوع له الخاص ، لأنّ الإلتزام بوضع لفظ « الصّلاة » لكلّ حصّة حصّة من الصلاة ، يستلزم أوضاعاً كثيرة ويلزم الإشتراك اللّفظي ، وهذا لا يلتزم به أحد ; بقي الوضع العام والموضوع له العام ، والوضع العام والموضوع له الخاص ، وإذا كان الوضع عامّاً لزم تصوير الجامع بين الأفراد ليكون هو الموضوع له لفظ « الصلاة » .
فإن قيل ـ كما ذكر شيخنا في الدورة السّابقة ـ : إن الجامع العنواني كعنوان « الناهي عن الفحشاء والمنكر » يجمع بين مصاديق الصّلاة ، وهي المعنون له ، ولا حاجة إلى تصوير جامع بين الأفراد ليكون هو الموضوع له لفظ « الصلاة » .
قلنا : المقصود تصوير جامع يكون الموضوع له لفظ « الصلاة » ويمكن تصوير الثمرة معه ، وأمّا الجامع العنواني كما ذكر فلا ثمرة للبحث معه ، لأنّ اللّفظ إن كان موضوعاً للعنوان لزم القول بعدم الوضع للمعنون ، وإن كان موضوعاً للمعنون بواسطة العنوان أصبح الموضوع له خاصّاً ، فيكون اللّفظ مستعملا في الخاص ، والخاصّ لا إطلاق فيه ولا إجمال ، فلا ثمرة للبحث .
إنّ المهمّ تصوير جامع بحيث يتمكن من التمسّك بالإطلاق معه ، لأنه ـ على القول بالصحيح ـ يكون الخطاب مجملا ، بخلاف ما إذا قلنا بالوضع للأعم ، فإنه يتمكن من التمسك بالإطلاق ، لكون الموضوع له معلوماً وكذا المستعمل فيه ، فلو شك في اعتبار جزء أو شرط في الصلاة فلا ريب في صدق الطبيعة على ما عدا المشكوك فيه ، وحينئذ أمكن التمسّك بالإطلاق لرفع الشك ، بخلاف ما إذا قلنا بالوضع لخصوص الصحيح ، فإنه يحتمل دخل الجزء أو الشرط المشكوك فيه في ذات الموضوع له وصحة العمل ، فيكون المعنى مجملا ، فلا مجال حينئذ للتمسك بالإطلاق ، لدفع جزئيّة المشكوك فيه أو شرطيته ، لأنَّ شرط التمسّك به إحراز صدق المعنى .
إذن ، لابدَّ من تصوير جامع ذاتي ليكون محور البحث في الصّدق وعدم الصّدق على كلا القولين ، والجامع العنواني لا يصلح لذلك ، لكون الوضع فيه إمّا للعنوان فالمعنون لا اسم له ، وإمّا للمعنون فيكون فرداً فلا جامع له .
وكيف كان … فلابدَّ من تصوير الجامع على كلا المسلكين.
Menu