الفرق بين القواعد الفقهيّة و القواعد الاصوليّة
بقي الكلام في الفرق بين القواعد الفقهية والقواعد الاصوليّة ، وكيفية إخراج الفقهية عن علم الأصول ، على ضوء التعاريف المذكورة .
لا يخفى أن القواعد الفقهية تنقسم إلى قسمين ، منها ما يجري في الشبهات الموضوعية ، وتكون نتيجته الحكم الفرعي الجزئي ، كقاعدة الفراغ والتجاوز ، المتخذة من قوله عليه السلام : « كلّما شككت فيه ممّا قد مضى فامضه كما هو »(1) وتفيد مضيّ هذه الصلاة المشكوك في ابتلائها بمانع عن الصحة . ومنها : ما يجري في الشبهات الحكمية ، وتكون نتيجته الحكم الكلّي الإلهي ، كقاعدة : ما يضمن بصحيحة يضمن بفاسده ، حيث تفيد مثلا ضمان فاسد القرض ، لأنّ صحيحه موجب له . وهذه القواعد منها ما يكون مفاده حكماً بالعنوان الأوّلي ، كالقاعدة المذكورة ، ومنها : ما يكون مفاده حكماً بالعنوان الثانوي كقاعدة نفي الضرر ، بناءً على نوعيّة الضرر المنفي ، وأمّا بناءً على شخصيّته فتدخل القاعدة فيما يجري في الشبهات الموضوعيّة .
ومن الواضح أيضاً : إنقسام الأصول العمليّة إلى : ما يجري في الشبهات الموضوعيّة فقط ، وإلى ما يجري في الشبهات الحكميّة فقط ، وإلى ما يجري في كلتيهما كالإستصحاب .
أمّا ما يجري في الشبهات الموضوعيّة ، وينتج حكماً جزئيّاً ] مثل الإستصحاب الجاري في كريّة هذا الماء ، من الاصول العملية ، ومثل قاعدة الفراغ من القواعد الفقهيّة ، الجارية في هذه الصلاة مثلا [فهو خارج عن المسائل الاصوليّة ، لأنّ كلّ أحد يمكنه تطبيق القاعدة أو الأصل على المورد المشكوك فيه ، واستنتاج الحكم الشرعي المتعلّق به ، من غير فرق بين الفقيه والعامي … فهذا القسم من القواعد والاصول خارج .
وأمّا ما يجري في الشبهات الحكمية ، فالأصل العملي الجاري في الحكم الأصولي لا ريب في اُصوليّته ، كاستصحاب حجيّة العام بعد التخصيص ، أو استصحاب عدم تحقّق المعارِض للرواية ، فهذا القسم من الاصول العمليّة الجارية في الشبهات الحكميّة خارج عن البحث .
إنّما الكلام في الاُصول العمليّة والقواعد الفقهيّة التي يتشاركان في التطبيق على الموارد واستخراج الأحكام الكليّة الفرعيّة منها ، فما الفارق بينهما ؟ وكيف تخرج الثانية عن المسائل الاصوليّة ؟
ولك أنْ تقول : إن تعريف علم الفقه ـ وهو : العلم بالأحكام الشرعيّة الفرعيّة عن أدلّتها التفصيليّة ـ كما ينطبق على القواعد الفقهية فتكون من مسائله ، كذلك ينطبق على الاصول العملية الجارية في الشبهات الحكميّة ، إذ الحكم بنجاسة الماء المتغيّر بالنجاسة الزائل تغيّره ، حكم شرعي فرعي ، أنتجه الإستصحاب المستفاد عن دليل تفصيلي ، وهو صحيحة زرارة مثلا ، الدالّ على بقاء الحكم السابق في الماء المذكور ، وعلى الجملة : فكما أن قاعدة ما لا يضمن حكم فرعي ، كذلك الحكم ببقاء نجاسة الماء ، وكما أنها مستنبطة من الدليل التفصيلي وهو الإجماع ، كذلك الحكم المذكور مستنبط من الدليل التفصيلي وهو الأخبار . فانطبق عليها تعريف علم الفقه ، فتكون هذه الاصول العملية خارجة عن علم الاُصول وداخلة في علم الفقه ، فما هو الجواب ؟
(1) وسائل الشيعة 8/237 ط مؤسّسة آل البيت ، الباب 23 من أبواب الخلل رقم : 3.