الصورة الثانية : في دوران الأمر بين الأحوال
وقد ذكر العلماء وجوهاً لتقديم البعض على الآخر ، لكن الحق ـ كما ذكر المحقق الخراساني ـ أن تلك الوجوه كلّها خطابيّة استحسانية .
فالتحقيق : متابعة الظهور أينما حصل ، وإلاّ فالكلام مجمل .
مثلا : لو دار الأمر بين الإشتراك والنقل ، كأن يتردّد لفظ « الصلاة » بين الإشتراك ، فيكون حقيقةً في المعنى اللّغوي والمركّب الشرعي ـ بناءً على الحقيقة الشرعيّة ـ وبين النقل عن معناه اللّغوي إلى المركّب الشرعي ، فإنْ كان مشتركاً بين المعنيين كان : « الطواف بالبيت صلاة » ونحوه مجملا ، وإنْ كان منقولا ، حكم بلزوم الطهارة للطواف .
أو دار الأمر بين الإشتراك والتخصيص ، كما في قوله تعالى : ( وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم )(1) لو كان لفظ « النكاح » مشتركاً بين « الوطء » و « العقد » أو مختصّاً بـ « العقد » ، فعلى الإختصاص تكون معقودة الأب ـ ولو بدون الدخول موضوعاً للحرمة ، أما على الإشتراك فيشكّ في تحقّق موضوع الحرمة .
أو دار الأمر بين الإشتراك والإضمار في مثل : « في خمس من الإبل شاة » فإن كانت « في » مشتركة بين الظرفيّة والسببيّة ، فإنّه يتردّد الحكم بين « الشاة » أو مقدار الشاة ، لأنه على الظرفيّة يلزم إضمار كلمة « مقدار » ، أمّا على السببيّة فلا يلزم ، بل الواجب إعطاء نفس الشّاة .
أو دار الأمر بين العموم والإستخدام كما في قوله تعالى : ( وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَء … وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ )(2) .
وعلى الجملة ، فما ذكروه من الوجوه للترجيح كلّه ظنّي ، والظنّ لا يغني من الحقّ شيئاً ، ما لم يصل اللّفظ إلى حدّ القالبيّة للمعنى .
(1) سورة النساء : 22.
(2) سورة البقرة : 228.