الجهة الثانية
وبعد الفراغ عن جهة الثبوت ، تصل النوبة إلى جهة الإثبات والظهور العرفي .
والحق : إن استعمال اللّفظ الواحد في أكثر من معنى خلاف الأصل العقلائي ، وإطلاق اللّفظ الواحد وإرادة المعاني المتعددة منه بدون نصب قرينة ، شيء غير متعارف عند أهل المحاورة ، فإنهم لا يقصدون ذلك حتى في الألفاظ المشتركة ، بل لابدّ من نصب قرينة ، يقول الشاعر :
بُز وشمشير هر دو در كمرند
فكلمة « كمر » وإنْ كانت مشتركة بين « سفح الجبل » و « ظهر الإنسان » لكنّ المعنى ظاهر ، لأن « بز » وهو المعز يكون على « سفح الجبل » و « شمشير » وهو السيف يكون على « ظهر الإنسان » .
فلو لم يكن المعنى ظاهراً مفهوماً لم يجز الإستعمال عقلاءً ، بل يكون مقتضى القاعدة عند عدم القرينة على التفصيل الآتي :
إن لم يكن اللّفظ مشتركاً بين معان متعددة بالوضع ، فلا شبهة في حمله على المعنى الحقيقي الواحد ، بمقتضى أصالة الحقيقة ، فإنْ كان له معنى مجازيّاً مشهوراً ، والمفروض عدم القرينة ، فلا يحمل ، لا على المعنى الحقيقي ولا على المجاز المشهور ، بل يكون مجملا .
وإن كان مشتركاً بين معان عديدة ، كان محكوماً بالإجمال .
فإن علم بتعدّد المعنى المراد ، لكنْ تردّد الأمر بين إرادة المجموع وإرادة الجميع ، كما لو كان للمولى عبدان باسم « غانم » وقال : بعت غانماً بدرهمين ، فعلمنا إجمالا ببيعه كلّ واحد أو بيعه كليهما معاً ، قال في ( المحاضرات )(1) : لا أصل لفظي يرجع إليه ، بل المرجع هو الأصل العملي .
فقال الاستاذ : إنه بناءً على كون حجيّة أصالة الحقيقة من باب التعبّد فالمرجع هو أصالة الحقيقة ، وعليه ، يحمل الكلام على العام المجموعي ، لأن المفروض إمكان استعمال اللّفظ في أكثر من معنى ، والمفروض كونه حقيقة في كلا الفردين ، وعليه يحكم باشتغال ذمّة المشتري بأربعة دراهم .
وأمّا بناءً على القول بحجيّة أصالة الحقيقة من باب الظهور ، فالمفروض عدم الظّهور ، لكون مثل هذا الإستعمال على خلاف الأصل العقلائي في مقام المحاورة .
وإنْ كان اللّفظ حقيقةً في كلّ من الفردين ومجازاً في المجموع ، فالكلام حينئذ مجمل .
إلاّ أن هذا التفصيل غير وارد في ( المحاضرات ) ، لأنه ذهب إلى استحالة الإشتراك ، على مسلكه في الوضع وهو التعهّد ، فلا مورد لأصالة الحقيقة بناءً عليه .
(1) محاضرات في اُصول الفقه 1/221 .