التحقيق في سند رواية ابن مهزيار
وقد اورد على سند هذه الرواية بوجهين :
الأول : الإرسال . فذكر لإثبات إرسالها وجوه :
1 ـ إن المراد بـ « أبي جعفر » ـ متى أُطلق ـ هو الإمام الباقر عليه السلام ، وابن مهزيار من أصحاب الرضا والجواد عليهما السلام ، ولو كان المراد هو الإمام الجواد لقيَّد بـ « الثاني » .
2 ـ إن ذكر ابن شبرمة في الرواية قرينة على أن المراد من أبي جعفر فيها هو الباقر عليه السلام ، لأن ابن شبرمة كان معاصراً له لا للإمام الجواد ، فتكون الرواية مرسلة ، لسقوط الواسطة المجهول حالها بينه وبين الإمام عليه السلام .
3 ـ لو كان المراد هو الإمام الجواد عليه السلام ـ لأنه من أصحابه ـ لما جاءت الرواية ـ كما في ( الكافي ) ـ بلفظ « رواه عن أبي جعفر » الظاهر في النقل مع الواسطة ، وإلاّ فلا حاجة إلى هذا اللّفظ ، كما هو الحال في سائر الروايات المسندة .
4 ـ كلمة « قيل له » ظاهرة في عدم سماع ابن مهزيار من الإمام عليه السلام ، وإلاّ لقال : عن أبي جعفر .
ويمكن الذبّ عن الرواية بالجواب عن كلّ ذلك :
أمّا عن الأول ، فإنّ التقييد بـ « الثاني » متى كان المقصود من أبي جعفر هو الإمام الجواد عليه السلام ، إنما جاء في الأعصار المتأخّرة ، أمّا لزوم ذلك على الرّواة أنفسهم ، فلا دليل عليه .
وأما عن الثاني ـ وهو أتقن الوجوه ـ فإن ابن شبرمة ، المتوفّى سنة 144 ، وإنْ كان معاصراً للصّادقين عليهما السلام ، إلاّ أنه كان من القضاة الكبار ، وله تلامذة ، فما المانع من أنْ يقال في مجلس الإمام الجواد عليه السلام : قال ابن شبرمة كذا … ؟ لقد ظنّ الشهيد الثاني قدّس سرّه ومن تبعه أن هذه الكلمة تعني حضور ابن شبرمة في المجلس وتكلّمه عند الإمام … بل الظاهر : وقوع القضيّة في زمن ابن شبرمة ، ثمّ السؤال عنها وعن رأيه فيها من الإمام الجواد عليه السلام الذي قال في الجواب : أخطأ ابن شبرمة …
وأمّا عن الثالث ـ وهو الذي اعتمده في ( المحاضرات ) ـ فإن ظهور « روى » في النقل مع الواسطة أوّل الكلام ، أمّا لغةً فواضح ، وأمّا اصطلاحاً ، فإنّ عدم قولهم « روى فلانٌ » في مورد النقل بلا واسطة ، لا يكفي لأنْ يحمل ذلك على النقل مع الواسطة … هذا أوّلا .
وثانياً : هذه الرواية في نقل صاحب ( الوسائل ) بلفظ « عن أبي جعفر » إلاّ أنْ يدّعى التعارض بين النقلين ، فيكون المقدَّم لفظ الكافي ، لأصالة عدم الزيادة .
وثالثاً : قد وجدنا في أخبار الشيخ طاب ثراه أنّه قد يروي الخبر المسند بلفظ « روى » … قال رحمه الله : « فأمّا الذي رواه علي بن الحسن ، عن محمد بن الحسن ، عن محمد بن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا ، رواه عن أبي عبدالله عليه السلام … »(1) ثم إنّه قد أورد نفس هذا السند بلا كلمة « رواه » فقال : « علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه السلام … »(2) .
وتلخّص : إن كلمة « رواه » لا تنافي الاتّصال .
وأما عن الرابع ، فالجواب واضح ، بأنْ يكون ابن مهزيار حاضراً ، وقد سأل أحد الحضور الإمام عليه السلام عن المسألة ، ونظائره كثيرة جدّاً .
الثاني : الضعف بـ « صالح بن أبي حمّاد » ، فقد قال النجاشي : يعرف وينكر ، وعن ابن الغضائري : ضعيف ، وتوقّف فيه العلاّمة .
وقد ذكرت وجوه للاعتماد عليه :
1 ـ رواية أجلاّء الأصحاب عنه .
2 ـ عدم استثناء ابن الوليد والصّدوق له من مشايخ محمد بن أحمد بن يحيى ، فقد روى الصّدوق عن محمد بن أحمد بن يحيى عن صالح بن أبي حمّاد ، في كتاب ( عيون أخبار الرضا ) ، فهو مقبول لدى ابن الوليد والصدوق تبعاً له . وقد اعتمد الوحيد البهبهاني هذا الوجه .
3 ـ إنه من رجال تفسير القمّي .
4 ـ في الكشي عن علي بن محمد بن قتيبة : أن الفضل بن شاذان كان يرتضيه ويمدحه(3) .
قال شيخنا : وأقواها هو الوجه الرّابع ، لكنّ الإعتماد عليه مشكل :
أمّا من جهة السند ، ففيه : علي بن محمد بن قتيبة ، ولم يرد في حقّه توثيق … إلاّ أن يدفع ذلك باعتماد الكشي عليه وكثرة النقل عنه ، وقد قال الشهيد في ( الذكرى )(4) في رجل : إنه وإنْ لم يرد فيه توثيق ، فإن نقل الكشي عنه يفيد الإعتماد عليه .
وأمّا من جهة المدلول ، فإنّ ارتضاء الفضل له إنْ كان ارتضاءً لِما ينقل ويرويه ، كان دليلا على وثاقته عندنا ، لا على مجرَّد الحسن ، خلافاً لعلماء الرجال ، لكنّ من المحتمل أن يكون ارتضاءً منه لعقائده ، بأنْ يراه مستقيم العقيدة ، أو يكون ارتضاءً منه لعقله ، في قِبال عدم ارتضائه لأبي سعيد سهل ابن زياد الآدمي لكونه أحمق كما قال ، وإذا جاء الإحتمال وقع الإجمال وبطل الإستدلال .
وبعد ، فإنّ المشهور بين الأصحاب ـ كما في ( الرياض )(5) هو القول بعدم الحرمة ، وعليه الكليني والإسكافي والشيخ ، ولاخلاف من المتقدمين إلاّ من ابن إدريس ، بل في ( الشرائع ) نسبة القول بالحرمة إلى « القيل »(6) ، فالشّهرة مطابقة للرواية ، لكنّ دعوى انجبار ضعفها بعمل المشهور مردودة من جهة الكبرى والصغرى .
هذا تمام الكلام في الإستدلال بالخبر للقول بعدم الحرمة في الكبيرة الثانية .
ويبقى الإستدلال بمقتضى القاعدة من كلا الطّرفين .
(1) تهذيب الأخبار 7/316 ، الباب 27 ، رقم : 14 .
(2) تهذيب الأخبار 7/336 ، الباب 30 ، رقم : 7 .
(3) رجال الكشي : 473 ط الأعلمي .
(4) قال في الذكرى 4/108 ط مؤسّسة آل البيت عليهم السلام : « الحكم ذكره الكشي ولم يعرض له بذم » ، وهو : الحكم بن مسكين وانظر : اختيار معرفة الرجال ، بتعاليق السيد الداماد 2/758 .
(5) رياض المسائل 2/92 ط القديمة .
(6) شرائع الاسلام 2/286 ط البقّال .