التحقيق في المقام
وبعد ، فلم نجد التعريف المانع عن دخول علم الرجال وغيره ، والجامع لجميع المسائل ، بين التعريفات المذكورة ، إذ منها ما يكون مانعاً عن دخول علم الرجال مثلا ، مع الإلتزام بالاستطراد في جملة من المسائل المطروحة في علم الاصول ، ومنها ما يكون جامعاً لجميع المسائل تقريباً ، مع الإلتزام بكون علم الرجال من مسائل العلم .
وبالجملة ، يدور الأمر بين اعتبار قيد عدم الواسطة بين المسألة واستنباط الحكم الشرعي منها ، وهذا يستلزم خروج بعض المسائل ، وبين إلغاء هذا القيد فتدخل المسائل لكنّه يستلزم دخول غير المسائل الوصولية أيضاً في علم الأصول .
أمّا سيّدنا الاستاذ دام ظلّه فحاول إرجاع تعريف ( الكفاية ) إلى مختاره ـ مع فارق واحد ، وهو شمول تعريفه للاصول والأمارات الجارية في الشبهات الموضوعيّة أيضاً ، وخروجها عن تعريف ( الكفاية ) ـ واختار الشق الأوّل ، أعني اعتبار القيد المذكور ، ثم التزم بخروج مسألتي الصحيح والأعم ، والمشتق ، وحاول إدخال غيرهما من مسائل الألفاظ ، لأنَّ الواسطة المعتبر عدمها في اصوليّة المسألة هي الواسطة النظرية ، أمّا في هذه المسائل فترتب الحكم عليها هو بواسطة كبرى ارتكازية مسلّمة . كما حاول إدخال مسألة اجتماع الأمر والنهي ـ مع اعترافه بأنّها على اثنين من المذاهب الثلاثة فيها ، وهما الإمتناع من جهة اجتماع الضدين ، والإمتناع من جهة التزاحم ، لا تنتهي إلى رفع التردّد في مقام العمل ، بل تحقّق موضوع المسألتين ـ بأنّ الدخول ولو على مذهب واحد كاف لشمول التعريف لها ، وهي بناءً على المذهب الأول ـ وهو الجواز مطلقاً ـ داخلة .
وأمّا شيخنا الاستاذ دام ظلّه ، فقد اختار في الدورة السابقة تعريف صاحب ( الكفاية ) ، ثم عدل عنه فاختار في المتأخّرة تعريف المحقق العراقي وهو : الإلتزام بالشق الثاني ، الذي لازمه دخول مباحث علم الرّجال ، أما بقيّة العلوم فلا تدخل لكونها باحثة عن موضوعات الأحكام الشرعية ، كما يخرج مبحث المشتق لكونه بحثاً عن الموضوع كذلك .
إلاّ أن شيخنا أخرج مباحث العام والخاص ونحوهما ، ممّا وصفه العراقي بما يبحث فيه عن كيفية تعلّق الحكم بالموضوع ، بعد ورود النقض عليه بمثل « الصعيد » ، إلاّ أن لنا تأملا في ذلك كما تقدّم .
فظهر أنّ تعريف المحقق العراقي ، وتعريف المحقق الإصفهاني ، وكذا تعريف المحقق صاحب ( الكفاية ) ـ على ما فسّره السيد الاستاذ ـ كلّها تصبُّ في مصبّ واحد ، وأنْ لا اختلاف بينها تقريباً إلاّ في اللّفظ والتعبير ، لكن الأقرب هو الإلتزام بالشرط المذكور واعتباره كي يخرج علم الرجال ونحوه ، كما فعل السيّد الاستاذ دام علاه ، والله العالم .
Menu