نزول سورة هل أتى في أهل بيت المصطفى
المقدمة
إعلم أنّ والآيات المقصود بها الاستدلال في هذه السورة هي قوله تعالى: (إِنَّ الاَْبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْس كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً * عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلاَ شُكُوراً) إلى قوله تعالى: (إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً)(1).
فقد نزلت هذه الآيات في أهل بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، أعني: عليّاً وفاطمة والحسن والحسين، عليهم الصلاة والسلام… وذلك:
إنّ الحسن والحسين مرضا، فعادهما رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فنذر عليّ عليه السلام صوم ثلاثة أيّام، وكذا فاطمة الطاهرة، وخادمتهم فضّة، لئن بَرِئا ; فبَرِىء الحسن والحسين عليهما السلام وليس عندهم قليل ولا كثير، فاستقرض أمير المؤمنين ثلاثة أصوع من شعير، وطحنت فاطمة منها صاعاً، فخبزته خمسة أقراص، لكلّ واحد قرصاً، وصلّى عليّ صلاة المغرب، فلمّا أتى المنزل ووضع الطعام بين يديه للإفطار، أتاهم مسكين وسألهم، فأعطاه كلّ منهم قوته، ومكثوا يومهم وليلتهم لم يذوقوا شيئاً.
ثمّ صاموا اليوم الثاني، فخبزت فاطمة صاعاً آخر، فلمّا قدّم بين أيديهم للإفطار أتاهم يتيم وسألهم القوت، فأعطاه كلّ واحد منهم قوته.
فلمّا كان اليوم الثالث من صومهم، وقدّم الطعام للإفطار، أتاهم أسير وسألهم القوت، فأعطاه كلّ واحد منهم قوته.
ولم يذوقوا في الأيّام الثلاثة سوى الماء.
فرآهم النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في اليوم الرابع، وهم يرتعشون من الجوع، وفاطمة قد التصق بطنها يظهرها من شدّة الجوع وغارت عيناها فقال:
واغوثاه يا الله، أهل بيت محمّد يموتون جوعاً.
فهبط جبرئيل فقال: خذ ما هنّاك تعالى به في أهل بيتك.
فقال: وما آخذ يا جبرئيل؟
فأقرأه: (هَلْ أَتَى).
أقول:
هذا هو الخبر في شأن نزول السورة في أهل البيت، كما ذكر بعض علمائنا، والقدر المهمّ في وجه الاستدلال هو نزول الآيات في حقّهم بسبب إطعامهم ما كان عندهم من الطعام ثلاثة أيّام المسكين واليتيم والأسير، ويقاؤهم بلا طعام وهم صيّام.
وقد اتّفق الفريقان على نزول السورة في أهل البيت عليهم السلام ; فأصل الخبر موجود في كتب كلا الفريقين في التفسير والحديث والتراجم والمناقب، وإن اختلفت ألفاظ الخبر في بعضها عن البعض الآخر.
فقيل:
« معلوم أنّ سورة الدهر مكّية بالاتّفاق، وعليّ لم يدخل بفاطمة إلاّ بعد غزوة بدر، وولد له الحسن في الثانية من الجهرة، والحسين في السنة الرابعة من الهجرة، بعد نزول سورة الدهر بسنين كثيرة، فقول من يقول: إنّها نزلت فيهم، من الكذب الذي لا يخفى على من له علم بنزول القرآن وأحوال آل البيت، رضي الله عنهم.
وقال القرطبي في تفسيره 19/182 في صدد آية: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ): والصحيح أنّها نزلت في جميع الأبرار، ومن فعل فعلا حسناً، فهي عامّة ».
قال: « وقد ذكر النقّاش والثعلبي والقشيري وغير واحد من المفسّرين، في قصّة عليّ وفاطمة وجاريتهما حديثاً لا يصحّ ولا يثبت.
قال الحافظ ابن حجر في تخريج الكشّاف: 180 رواه الثعلبي من رواية القاسم بن بهرام، عن ليث بن أبي سليم، عن مجاهد، عن ابن عبّاس.
ومن رواية الكلبي عن ابن عبّاس في قوله تعالى: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) وزاد في أثنائه شعراً لعليّ وفاطمة رضي الله عنهما ».
ثمّ قال: « قال الحكيم الترمذي: هذا حديث مزوّق مفتعل لا يروج إلاّ على أحمق جاهل.
ورواه ابن الجوزي في الموضوعات من طريق أبي عبدالله السمرقندي، عن محمّد بن كثير، عن الأصبغ بن نباتة… فذكره بشعره وزيادة ألفاظ.
ثمّ قال: وهذا لا نشكّ في وضعه ».
أقول:
ويتلخّص هذا الكلام في كلمتين:
الأُولى: إنّ سورة الدهر مكّية، نزلت قبل أن يتزوّج أميرالمؤمنين من الزهراء في المدينة، وقبل ولادة الحسنين، بسنين كثيرة.
والثانية: إنّ هذا الحديث مفتعل عند الحكيم الترمذي، وموضوع عند ابن الجوزي.
والعمدة هي الكلمة الأُولى…
والأصل في هذا الكلام، هو ابن تيمية المُلقّب عند أتباعه بـ « شيخ الإسلام ».
وتحقيق الكلام في نزول السورة المباركة، في فصلين:
الفصل الأوّل: في سند الحديث ورواته من أهل السُنّة.
والفصل الثاني: في دلالته ; وسنتكلّم فيه على الإشكالين المذكورين بالتفصيل، مع الاكتفاء بالإشارة إلى غيرهما ممّا قيل.
(1) سورة الدهر 76:5 ـ 22.