خصائص الغدير و أهَمّيّتَهُ
ولقد اجتمع في هذا الموقف ما تفرّق في المواقف السابقة عليه… واختصَّ بأُمور لم تكن في غيره… فكانت له أهَمّيّة خاصة، استتبعت العناية الشديدة من كلّ الأطراف، ومن جميع الجهات… .
ومن ذلك: صراحة ما قاله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ووضوح دلالته، بل لم يكن قولاً فقط، بل قول وفعل، فلقد قال ما قال وهو آخذ بيد عليّ، مقيم إيّاه عن يمينه… .
ومن ذلك: قرب وفاته صلّى اللّه عليه وآله وسلّم… وقد كان على علم بذلك، إذ قال في خطبته: «يوشك أنْ أُدعى فأُجيب»… ولا يخفى ما لقوله في هذا الظرف من الأثر البالغ في إتمام الحجّة وقطع العذر.
ومن ذلك: كونه في حشد عظيم منقطع النظير، وذلك لأنّ النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم كان قد أذّن بهذه الحجّة قبلها بمدّة… فمن الناس مَن قَدِم المدينة لياتمَّ به في حَجّته، ومنهم من حضر الموسم للحجّ معه… فكانت جموع لا يعلم عددها إلاّ اللّه تعالى… .
فلمّا قضى مناسكه وانصرف راجعاً، ووصل إلى غدير خمّ من الجحفة التي تتشعّب فيها طرق المدنيّين والبصريّين والعراقيّين… وقف حتى لحقه من تأخّر، وأمر بردّ من تقدّم… فقام خطيباً… وأسمع جميع القوم بما قال.
ومن ذلك: نزول قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ)(1) قبل الخطبة(2) ونزول قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي وَرَضيتُ لَكُمُ اْلإِسْلامَ دينًا)(3) بعدها(4).
ومن ذلك: تهنئة القوم أميرَ المؤمنين عليه السلام… ومِمّن هنّأه ـ في مقدّمتهم ـ أبو بكر وعمر، كلٌّ يقول: بخ بخ لك يا ابن أبي طالب، أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة»(5).
ومن ذلك: شعر حسّان بن ثابت، وقد استأذن النبي قائلاً:
ائذن لي يا رسول اللّه أنْ أقول في عليّ أبياتاً تسمعهنّ.
فقال صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: قل على بركة اللّه.
فقام حسّان فقال:
«يناديهم يوم الغدير نبيّهم *** بخم فأسمع بالرسول مناديا
وقد جاءه جبريل عن أمر ربّه *** بأنّك معصوم فلا تك وانيا
وبلّغهم ما أنزل اللّه ربّهم *** إليك ولا تخش هناك الأعاديا
فقام به إذ ذاك رافع كفّه *** بكفّ عليّ معلن الصوت عاليا
فقال: فمن مولاكم ووليّكم *** فقالوا ولم يبدوا هناك تعاميا
إلهك مولانا وأنت وليّنا *** ولن تجدن فينا لك اليوم عاصيا
فقال له: قم يا عليّ فإنّني *** رضيتك من بعدي إماماً وهاديا
فمن كنت مولاه فهذا وليّه *** فكونوا له أنصار صدق مواليا
هناك دعا اللّهمّ والِ وليّه *** وكن للّذي عادى عليّاً معاديا
فياربّ انصر ناصريه لنصرهم *** إمام هدى كالبدر يجلوا الدياجيا»(6) *** ولا يخفى أنْ قائل هذا الشعر من مشاهير الصحابة، وقد قاله بمسمع منهم وبإذن من النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، ثم إنّ النبي أقرّه واستحسنه.
(1) سورة المائدة، الآية 67.
(2) روى نزولها في الغدير: الطبري، ابن أبي حاتم، ابن مردويه، الثعلبي، أبو نعيم، الواحدي، أبو سعيد السجستاني، الحسكاني، ابن عساكر، الفخر الرازي، النيسابوري، العيني، السيوطي… وغيرهم… أنظر: نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار في إمامة الأئمة الأطهار.
(3) سورة المائدة، الآية 3.
(4) روى نزولها في الغدير: الطبري، ابن مردويه، أبو نعيم، الخطيب، ابن المغازلي، الخوارزمي، الحمويني، ابن عساكر، ابن كثير، السيوطي… وغيرهم. أنظر: (نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار).
(5) روى ذلك: أبو بكر بن أبي شيبة، أحمد، أبو سعد الخركوشي، الثعلبي، أبو سعد السمعاني، الخطيب التبريزي، ابن كثير، المقريزي، المحبّ الطبري… أنظر: (نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار).
(6) هذا الشعر رواه من حفّاظ أهل السُنّة: أبو سعد الخركوشي، ابن مردويه، أبو نعيم الأصبهاني، أبو سعيد السجستاني، الموفّق بن أحمد المكّي الخوارزمي، أبو الفتح النطنزي، سبط ابن الجوزي، الحافظ الكنجي، الصدر الحمّوئي، الجمال الزرندي، الجلال السيوطي… راجع لتفصيل ذلك الجزءَ الثامن من (نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار) والجزء الثاني من «الغدير».