العناية بحديث الغدير
ولهذه الاُمور وغيرها ـ التي أكسبت حديث الغدير ويومه أهَمّيّة وامتيازاً عن غيره من الأحاديث والأيام التي صدع فيها الرسول الكريم صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بهذا النبأ العظيم ـ اشتدت عناية أهل البيت عليهم السلام وأتباعهم بإثباته ونشره بين الاُمّة بشتّى الوسائل والطرق، وبقائه في الأذهان وعلى الألسن على مدى الأعصار، حفظاً لشأن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وصيانةً له عن أن ينسب إليه التقصير في الإبلاغ، فيكون هو السبب فيما نشأ بعده من الاختلاف، ووقع من النزاع، حول الخلافة… وإعلاناً لحقّهم في الإمامة بعد الرسول صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بأمر من اللّه عزّ وجلّ… وأنّ ما آلَ إليه أمر الخلافة لم يكن للّه ورسوله فيه نصّ… .
نعم ناشد أمير المؤمنين عليه السلام الأصحابَ بهذا الحديث في مناسبات ومواضع عديدة، حفظ لنا التاريخ منها:
يوم الشورى… حيث استشهد به ـ فيما استشهد ـ وأذعن الحاضرون بما قال(1).
وفي حرب الجمل(2).
وفي صِفّين(3).
وفي الكوفة… حيث نشد الحاضرين(4)، فأجاب جمع، واعتذر بعض بالنسيان… كما سنشير.
والصدّيقة الزهراء… احْتَجّت به في كلام لها(5).
وكذلك سائر أئمّة أهل البيت وأعلام العترة…(6) … .
وقوم من الأنصار ـ فيهم: أبو أيّوب الأنصاري، خزيمة بن ثابت، عَمّار بن ياسر، ابن التَيّهان… ـ إذ دخلوا على أمير المؤمنين عليه السلام في الكوفة فقالوا:
السلام عليك يا مولانا.
قال: وكيف أكون مولاكم وأنتم عرب؟
قالوا: سمعنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله يقول يوم غدير خم: من كنت مولاه فعِليٌّ مولاه»(7).
بل احتج به بعض الأصحاب من خصومه:
فقد احتج به سعد بن أبي وقاص في جواب معاوية حيث طلب منه سبّ أمير المؤمنين عليه السلام(8).
واحتجّ به عمرو بن العاص في كتاب له إلى معاوية(9).
(1) الغدير 1 / 159.
(2) الغدير 1 / 186.
(3) المصدر 1 / 195.
(4) نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار 9 / 9 ـ 27.
(5) أسنى المطالب لابن الجزري: 49.
(6) الغدير 1 / 197 ـ 200.
(7) رواه: أحمد بن حنبل، الطبراني، ابن مردويه، ابن الأثير، ابن كثير، المحبّ الطبري، الهيثمي، القاري… وغيرهم. أنظر: نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار 9 / 139.
(8) أخرجه البخاري ومسلم وأحمد والترمذي وابن ماجة… وقد تصرّف فيه القوم فنقلوه بألفاظ مختلفة تقليلاً لفظاعته وتسترّاً على إمامهم معاوية… إذ الحديث: «أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال: ما منعك أن تسبَّ أبا تراب؟ فقال: أمّا ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ له رسول اللّه ظن أسبّه…» لكنْ في بعض الكتب «قدم معاوية في بعض حجّاته فدخل على سعد فذكروا عليّاً فنال منه فغضب سعد» فذكّره بخصال لعلّي منها حديث الغدير. وفي تاريخ ابن كثير حذف: «فنال منه فغضب سعد» وعند أحمد: «ذُكر عَليّ عند رجل وعنده سعد بن أبي وقّاص فقال له سعد، أتذكر عليّاً؟!…» وفي الخصائص عن سعد: «كنت جالساً فتنقّصوا عليّ بن أبي طالب فقلت: لقد سمعت…» وبعضهم يحذف القصّة من أصلها فيقول: «عن سعد بن أبي وقّاص قال: قال رسول اللّه: في عليّ ثلاث خلال…» أنظر: نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار في إمامة الأئمة الأطهار 6 / 34.
(9) المناقب للخوارزمي: 130.