الآية الثالثة
قوله تعالى: (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذاب واقِع لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ)(1).
نزلت هذه الآية في قضيّة الفهري بعد أنْ تمّت البيعة لأميرالمؤمنين عليه السلام.
روى الشيخ فرات بن إبراهيم الكوفي بسنده عن الحسين بن محمّد الخارفي قال: سألت سفيان بن عيينة عن سأل سائل فيمن نزلت؟
فقال: يا ابن أخي، سألتني عن شيء ما سألني عنه خلق قبلك، لقد سألت جعفر بن محمّد عليهما السلام عن مثل الذي سألتني عنه.
فقال: أخبرني أبي عن جدّه عن أبيه عن ابن عباس قال: لمّا كان يوم غدير خم قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم خطيباً، فأوجز في خطبته، ثمّ دعا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فأخذ بضبعه ثمّ رفع يده حتى رئي بياض إبطيهما.
فقال: ألم أبلّغكم الرسالة؟ ألم أنصح لكم؟
قالوا: أللهم نعم.
فقال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله.
ففشت هذه في الناس، فبلغ الحارث بن النعمان الفهري، فرحل راحلته، ثمّ استوى عليها… ثمّ جاء إلى النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، فردّ عليه النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، فقال: يا محمّد! إنّك دعوتنا أنْ نقول: لا إله إلاّ اللّه. فقلنا. ثمّ دعوتنا أن نقول: إنّك رسول اللّه. فقلنا وفي القلب ما فيه، ثمّ قلت: فصلّوا. فصلّينا. ثمّ قلت: فصوموا. فصمنا. ثمّ قلت: فحجّوا فحججنا، ثمّ قلت: إذا رزق أحدكم مائتي درهم فليتصدّق بخمسه كلّ سنة. ففعلنا.
ثمّ إنّك أقمت ابن عمّك، فجعلته علماً وقلت: من كنت مولاه فهذا على مولاه، أللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله، أفعنك أم عن اللّه؟
قال: بل عن اللّه.
قال: فقالها ثلاثاً.
قال: فنهض وإنّه لمغضب وإنّه ليقول: اللهم إن كان ما قال محمّد حقاً فأمطر علينا حجارةً من السماء تكون نقمةً في أوّلنا وآية في آخرنا. وإن كان ما قال محمّد كذباً فأنزل به نقمتك!
ثمّ أثار ناقته فحلّ عقالها ثمّ استوى عليها. فلمّا خرج من الأبطح رماه اللّه تعالى بحجر من السماء، فسقط على رأسه وخرج من دبره وسقط ميّتاً.
فأنزل اللّه فيه: (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذاب واقِع * لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ * مِنَ اللّهِ ذِي الْمَعارِجِ)(2).
أقول:
وروى نزول الآية في هذه القضيّة من كبار علماء ومحدّثي أهل السنّة: الثعلبي، سبط ابن الجوزي، الزرندي، السمهودي، ابن الصبّاغ، المناوي، الحلبي…(3).
والحديث باللّفظ المذكور مروي في تفسير الثعلبي بإسناده عن سفيان بن عيينة(4).
(1) سورة المعارج: الآيات 1 و 2.
(2) بحار الأنوار 37 / 175.
(3) تذكرة الخواص: 30، نظم درر السمطين: 93، الفصول المهمّة: 42، فيض القدير 6 / 281، السيرة الحلبية 3 / 337، نور الابصار: 78… .
(4) بحارالانوار 37 / 176.