مدارهما على «الزهري»:
وهذان الحديثان ـ بغض النظر عن أنّهما ليسا من (المسند) بل من زياداته لعبد اللّه بن أحمد، وعن سائر رواتهما ـ مدارهما على «الزهري».
وهذا الرجل الذي توثّقه مدرسة بني أُمّية وتعتمد عليه… كان شرطيّاً لبني أُمّية:
روى الحافظ الذهبي بترجمة شعبة بن الحجاج ـ أميرالمؤمنين في الحديث كما وصفه ـ قال: «أبو بكر ابن شاذان البغدادي: حدّثنا علي بن محمّد السوّاق، حدّثنا جعفر بن مكرم الدقّاق، حدّثنا أبو داود، حدّثنا شعبة، قال: خرجت أنا وهشيم إلى مكة، فلما قدمنا الكوفة، رآني هشيم مع أبي اسحاق فقال: من هذا؟ قلت: شاعر السبيع. فلما خرجنا جعلت أقول: حدّثنا أبو إسحاق، قال: وأين رأيته؟ قلت: هو الذي قلت لك: شاعر السبيع. فلما قدمنا مكة، مررت به وهو قاعد مع الزهري فقلت: أبا معاوية من هذا؟ قال: شرطي لبني أُمّية. فلما قفلنا جعل يقول: حدّثنا الزهري، فقلت وأين رأيته؟ قال: الذي رأيته معي، قلت: أرني الكتاب. فأخرجه، فخرّقته»(1).
وروى الذهبي عن خارجة بن مصعب أنه قال: «قدمت على الزهري وهو صاحب شرطة بني اُميّة، فرأيته ركب وفي يديه حربة وبين يديه الناس في أيديهم الكافر كوبات فقلت: قبّح اللّه ذا من عالم، فلم أسمع منه»(2).
وكان الزهري من أشهر المنحرفين عن علي أميرالمؤمنين عليه السلام وكان يسبّه(3).
وكان يضع الحديث عليه على لسان ولدِه، وهذا منها.
كلّ ذلك خدمةً لبني أُمّية وتشييداً لسلطانهم… ولذا كتب إليه الامام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام كتاباً يعظه ويحذّره من مغبّة ما هو فيه، ويذكّره اللّه والدار الآخرة… ولم ينفعه…!!(4).
هذا، وكيف يصدّق الدكتور هكذا خبر عن علي، وهو هو؟!
أليس قد وصفه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في خيبر بأنه «يحبّ اللّه ورسوله ويحبّه اللّه ورسوله»؟
وأخرج الحاكم ـ ووافقه الذهبي ـ قال: «سمعت القاضي أبا الحسن علي بن الحسن الجراحي وأبا الحسين محمّد بن المظفر الحافظ يقولان: سمعنا أبا حامد محمّد بن هارون الحضرمي يقول: سمعت محمّد بن منصور الطوسي يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما جاء لأحد من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم من الفضائل ما جاء لعلي بن أبي طالب رضي اللّه عنه»(5).
قلت: ولهذا وغيره كان كثير من أعلام الأصحاب يصرّحون بتفضيله على غيره من الأصحاب مطلقاً، في حياة النبي وبعده(6).
وأمّا الزهراء، فيكفي كونها بضعةً لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم الأمر الذي من أجله فضَّلها غير واحد من الأئمة على الشيخين(7).
وعلى الجملة… فإنّ وضع أمثال هذه الأحاديث للحطّ من شأنهما من أتباع بني أمّية كثير… وليس بغريب… وإنما الغريب العجيب تصديق مثل الدكتور ذلك، مع أنه ليس منهم!!
وهل يرتكب كلّ ذلك للإعراض عن السنّة الثابتة الصحيحة الواردة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم والمخرّجة في الصحاح والمسانيد ومعاجم الحديث وكتب التفسير… بلا أيّ معارض ولا أيّ مخالف إلاّ «عكرمة»؟!
اللهم إنّا نسألك السلامة والعافية في الدنيا والآخرة.
وآخر دعوانا أن الحمد للّه رب العالمين.
(1) سير أعلام النبلاء 7 / 226.
(2) ميزان الاعتدال 1 / 625.
(3) شرح نهج البلاغة 4 / 102.
(4) إحياء علوم الدين 2 / 143 ولم يصرّح باسم الإمام عليه السلام!! وهو مذكور في كتب أصحابنا عنه.
(5) المستدرك على الصحيحين 3 / 107.
(6) الاستيعاب في معرفة الأصحاب 3 / 1090 وقد تقدّم في المقدّمة.
(7) منهم: الحافظ السهيلي، كما في فيض القدير ـ شرح الجامع الصغير 4 / 421، وهو عبدالرحمن بن عبداللّه، العلاّمة الأندلسي، الحافظ العلم، صاحب التصانيف، برع في العربية واللغات والأخبار والأثر، وتصدّر للإفادة، من أشهر مؤلّفاته: الروض الأُنف ـ شرح «السيرة النبوية» لابن هشام ـ توفّي سنة 581، له ترجمة في: مرآة الجنان 3 / 422، النجوم الزاهرة 6 / 101، العبر 3 / 82، الكامل في التاريخ 9 / 172.