كلام الإمام الطحاوي:
«بابُ بيان مشكل ما روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في المراد بقوله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) من هم؟
حدّثنا الربيع المرادي، حدّثنا أسد بن موسى، حدّثنا حاتم بن إسماعيل، حدّثنا بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد، عن أبيه، قال: لمّا نزلت هذه الآية دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً عليهم السلام وقال: اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي.
فكان في هذا الحديث أنّ المراد بما في هذه الآية هم: رسول اللّه وعليٌّ وفاطمة وحسن وحسين.
حدّثنا فهد، ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا جرير بن عبدالحميد، عن الأعمش، عن جعفر، عن عبدالرحمن البجلي، عن حكيم بن سعيد، عن أُمّ سلمة، قالت: نزلت هذه الآية في رسول اللّه وعليّ وفاطمة وحسن وحسين عليهم السلام (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً).
ففي هذا الحديث الذي في الأوّل».
ثمّ إنّه أخرج بأسانيد عديدة هذا الحديث عن أُمّ سلمة، وفيها الدلالة الصريحة على اختصاص الآية بأهل البيت الطاهرين، وهي الأحاديث التي جاء فيها أنّ أُمّ سلمة سألت: «وأنا معهم؟» فقال رسول اللّه: «أنتِ من أزواج النبيّ، وأنتِ على خير ـ أو: إلى خير ـ ».
وقالت: «فقلت: يا رسول اللّه، أنا من أهل البيت؟ فقال: إنّ لكِ عنداللّه خيراً. فوددت أنّه قال نعم، فكان أحبّ إليَّ ممّا تطلع عليه الشمس وتغرب».
وقالت: «فرفعت الكساء لأدخل معهم، فجذبه رسول اللّه وقال: إنّكِ على خير».
قال الطحاوي «فدلَّ ما روينا من هذه الآثار ـ ممّا كان من رسول اللّه إلى أُمّ سلمة ـ ممّا ذكر نا فيها لم يرد به أنّها كانت ممّا أُريد به ممّا في الآية المتلوّة في هذا الباب، وأنّ المراد بما فيها هم: رسول اللّه وعليٌّ وفاطمة والحسن والحسين دون مَن سواهم ـ يدلّ على مراد رسول اللّه بقوله لأُمّ سلمة في هذه الآثار مِن قوله لها: أنتِ من أهلي:
ما قد حدّثنا محمّد بن الحجّاج الحضرمي وسليمان الكيساني، قالا: حدّثنا بشر بن بكر، عن الأوزاعي، أخبرني أبو عمّار، حدّثني واثلة… فقلت: يا رسول اللّه، وأنا من أهلك؟ فقال: وأنتَ من أهلي.
قال واثلة: فإنّها مِن أرجى ما أرجو!
وواثلة أبعد منه مِن أُمّ سلمة منه، لأنّه إنّما هو رجل من بني ليث، ليس من قريش. وأُمّ سلمة موضعها من قريش موضعها الذي هي به منه، فكان قوله لواثلة: وأنتَ من أهلي، على معنى: لاتّباعك إيّاي وإيمانك بي، فدخلت بذلك في جملتي.
وقد وجدنا اللّه تعالى قد ذكر في كتابه ما يدلّ على هذا المعنى بقوله: (وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي)(1) فأجابه في ذلك بأنْ قال: (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ)(2) إنّه يدخل في أهله من يوافقه على دينه وإنْ لم يكن من ذوي نسبه.
فمثل ذلك أيضاً ما كان من رسول اللّه جواباً لأُمّ سلمة: «أنتِ من أهلي» يحتمل أن يكون على هذا المعنى أيضاً، وأن يكون قوله ذلك كقوله مثله لواثلة.
وحديث سعد وما ذكرناه معه من الأحاديث في أوّل الباب معقول بها مَن أهل الآية المتلوّة فيها، لأنّا قد أحطنا علماً أنّ رسول اللّه لمّا دعا مِن أهله عند نزولها لم يبق مِن أهله المرادين فيها أحد سواهم، وإذا كان ذلك كذلك استحال أن يدخل معهم فيما أُريد به سواهم. وفيما ذكرنا من ذلك بيان ما وصفنا.
فإنْ قال قائل: فإنّ كتاب اللّه تعالى يدلّ على أنّ أزواج النبيّ هم المقصودون بتلك الآية، لأنّه قال قبلها في السورة التي هي فيها: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لاَِزْوَاجِكَ)(3) فكان ذلك كلّه يؤذن به، لأنّه على خطاب النساء لا على خطاب الرجال، ثمّ قال: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ)الآية.
فكان جوابنا له: إنّ الذي تلاه إلى آخر ما قبل قوله: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ)الآية.. خطاب لأزواجه، ثمّ أعقب ذلك بخطابه لأهله بقوله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ) الآية، فجاء به على خطاب الرجال، لأنّه قال فيه: (لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ) وهكذا خطاب الرجال، وما قبله فجاء به بالنون وكذلك خطاب النساء.
فعقلنا أنّ قوله: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ) الآية، خطاب لمن أراده من الرجال بذلك، ليعلمهم تشريفه لهم ورفعه لمقدارهم أن جعل نساءهم ممّن قد وصفه لِما وصفه به ممّا في الآيات المتلوّة قبل الذي خاطبهم به تعالى.
وممّا دلّ على ذلك أيضاً ما حدّثنا… عن أنس: أنّ رسول اللّه كان إذا خرج إلى صلاة الفجر يقول: الصلاة يا أهل البيت (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ)الآية.
وما قد حدّثنا… حدّثني أبو الحمراء، قال: صحبت رسول اللّه… .
في هذا أيضاً دليل على أنّ هذه الآية فيهم. وباللّه التوفيق»(4).
(1) سورة هود 11: 45.
(2) سورة هود 11: 46.
(3) سورة الأحزاب 33: 28.
(4) مشكل الآثار 1 / 332 ـ 339.