دلالة الآية على العصمة
قال الدكتور: «وننتقل بعد هذا إلى دلالة الآية الكريمة على العصمة:
قال الطوسي: استدل أصحابنا بهذه الآية على أن في جملة أهل البيت معصوماً بلا يجوز عليه الغلط، وأن إجماعهم لا يكون إلاّ صواباً. بأن قالوا: ليس يخلو ارادة اللّه لإذهاب الرجس عن أهل البيت بأن يكون هو ما أراد منهم من فعل الطاعات واجتناب المعاصي، أو يكون عبارة عن أنه أذهب عنهم الرجس بأن فعل لهم لطفاً اختاروا عنده الامتناع من القبائح. والأول لا يجوز أن يكون مراداً، لأن هذه الارادة حاصلة من جميع المكلّفين فلا اختصاص لأهل البيت في ذلك، ولا خلاف أن اللّه تعالى خصّ بهذه الآية أهل البيت بأمر لم يشركهم فيه غيرهم، فكيف يحمل على ما يبطل هذا التخصيص ويخرج الآية من أن يكون لهم فيها فضيلة ومزية على غيرهم؟ على أن لفظة إنما تجري مجرى ليس، فيكون تلخيص الكلام: ليس يريد اللّه إلاّ إذهاب الرجس على هذا الحدّ عن أهل البيت. فدلّ ذلك على أن إذهاب الرجس قد حصل فيهم. وذلك يدل على عصمتهم».
أقول:
وتوضيحه: أن في الآية المباركة ألفاظاً تتحقق الدلالة على العصمة بالنظر إليها مع التأمّل، وهي:
1 ـ «إنّما» وهي تفيد الحصر، فاللّه سبحانه حصر إرادة إذهاب الرجس عنهم.
2 ـ «الإرادة» وهي في الآية الكريمة تكوينية، من قبيل الإرادة في قوله تعالى: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)(1)، لا تشريعية من قبيل الإرادة في قوله تعالى: (يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)(2)، لأنّ التشريعية تتنافى مع نصّ الآية بالحصر، إذ لا خصوصيّة لأهل البيت في تشريع الأحكام لهم.
وتتنافى مع الأحاديث، إذ النبيّ طبّق الآية عليهم دون غيرهم.
3 ـ «الرجس» وهو في الآية: «الذنوب» و «القبائح».
وتبقى شبهة: إنّ الإرادة التكوينية تدلّ على العصمة، لأنّ تخلّف المراد عن إرادته عزّوجلّ محال، لكنّ هذا يعني الالتزام بالجبر وهو ما لا تقول الإمامية به.
وقد أجاب علماؤنا عن هذه الشبهة ـ بناءً على نظرية: لا جبر ولا تفويض، بل أمرٌ بين الأمرين ـ بما حاصله:
إنّ مفاد الآية أنّ اللّه سبحانه لمّا علم أنّ إرادة أهل البيت تجري دائماً على وفق ما شرّعه لهم من التشريعات، لِما هم عليه من الحالات المعنويّة العالية، صحَّ له تعالى أن يخبر عن ذاته المقدَّسة أنّه لا يريد لهم بإرادته التكوينية إلاّ إذهاب الذنوب عنهم، لأنه لا يوجد من أفعالهم، ولا يُقدرهم إلاّ على هكذا أفعال يقومون بها بإرادتهم لغرض إذهاب الرجس عن أنفسهم… .
ثمّ إنّه لولا دلالة الآية المباركة على هذه المنزلة العظيمة لأهل البيت، لَما حاول أعداؤهم من الخوارج والنواصب إنكارها، بل ونسبتها إلى غيرهم، مع أنّ أحداً لم يدّعِ ذلك لنفسه سواهم.
هذا، ولم يُجب «الدكتور» عن هذا الاستدلال إلاّ بأن قال: «وهو استدلال عقلي».
وقال: «قد انفرد اخواننا الشيعة الجعفرية بهذا القول، وخالفوا أهل التأويل جميعاً».
(1) سورة يس 36: 82.
(2) سورة البقرة 2: 185.