الحديث الأول و كلام الدكتور حوله:
قال الدكتور: «قال محمّد بن جرير الطبري: حدّثني محمّد بن المثنّى…» فأورد الحديث الأول كما نقلناه عن تفسير الطبري ثم قال: «وذكر الطبري بعد هذا كثيراً من الأخبار التي تبيّن أنّ الآية الكريمة تعني هؤلاء المذكورين أو بعضهم. ثم ذكر أخيراً ما روي عن عكرمة من أنها نزلت في نساء النبي صلّى اللّه عليه ]وآله[ وسلّم خاصةً.
والخبران: الأوّل والأخير فيهما نظر.
فأمّا الأول، ففي سنده عطيّة عن أبي سعيد الخدري، وعطيّة هذا هو «عطيّة بن سعد بن جنادة العوفي».
تحدّث عنه الإمام أحمد بن حنبل وعن روايته عن أبي سعيد فقال: بأنه ضعيف الحديث، وأن الثوري وهشيماً كانا يضعّفان حديثه، وقال: بلغني أن عطيّة كان يأتي الكلبي فيأخذ عنه التفسير، وكان يكنّيه بأبي سعيد فيقول: قال أبو سعيد فيوهم أنه الخدري.
وقال ابن حبان: سمع عطيّة من أبي سعيد الخدري أحاديث، فلمّا مات جعل يجالس الكلبي، فإذا قال الكلبي: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]وآله[ وسلّم كذا، فيحفظه، وكناه أبا سعيد، وروى عنه، فإذا قيل له: من حدّثك بهذا؟ فيقول: حدّثني أبو سعيد، فيتوهّمون أنه يريد أبا سعيد الخدري، وإنما أراد الكلبي، قال: لا يحلّ كتب حديثه، إلاّ على التعجب. وقال الإمام البخاري في حديث رواه عطية: أحاديث الكوفيين هذه مناكير، وقال أيضاً: كان هشيم يتكلّم فيه.
وقد ضعّفه النسائي أيضاً في الضعفاء وكذلك أبو حاتم. ومع هذا كلّه وثّقه ابن سعد فقال: كان ثقة إن شاء اللّه، وله أحاديث صالحة، ومن الناس من لا يحتج به. وسئل يحيى بن معين: كيف حديث عطية؟ قال: صالح.
وما ذكره ابن سعد وابن معين لا يثبت أمام ما ذكر من قبل.
وقد يقال هنا: إن الإمام أحمد روى عن عطيّة في مسنده، فإذا كان يرى ضعف حديثه فلماذا روى عنه؟
والجواب: إن الإمام أحمد إنما روى في مسنده ما اشتهر، ولم يقصد الصحيح ولا السقيم. ويدل على ذلك أن ابنه عبداللّه قال: قلت لأبي: ما تقول في حديث ربعي بن خراش عن حذيفة؟ قال: الذي يرويه عبدالعزيز بن أبي رواد؟ قلت: نعم، قال: الأحاديث بخلافه، قلت: فقد ذكرته في المسند؟ قال: قصدت في المسند المشهور، فلو أردت أن أقصد ما صحّ عندي لم أرو من هذا المسند إلاّ الشيء بعد الشيء اليسير.
وقد طعن الإمام أحمد في أحاديث كثيرة في المسند، وردّ كثيراً مما روى ولم يقل به، ولم يجعله مذهباً له.
وعندما عدّ ابن الجوزي من الأحاديث الموضوعة أحاديث أخرجها الإمام أحمد في مسنده، وثار عليه من ثار، ألف ابن حجر العسقلاني كتابه «القول المسدد في الذبّ عن المسند»، فذكر الأحاديث التي أوردها ابن الجوزي، ثم أجاب عنها، ومما قال: الأحاديث التي ذكرها ليس فيها شيء من أحاديث الأحكام في الحلال والحرام، والتساهل في إيرادها مع ترك البيان بحالها شائع، وقد ثبت عن الإمام أحمد وغيره من الأئمة أنهم قالوا: إذا روينا في الحلال والحرام شددنا، وإذا روينا في الفضائل ونحوها تساهلنا. وهكذا حال هذه الأحاديث.
وما ذكره ابن حجر ينطبق على الأحاديث التي رويت عن عطيّة في المسند.
فالخبر الأول ـ إذن ـ ضعيف».
أقول: إنّ هذا الذي قاله في «عطيّة العوفي» هنا قد قاله حرفاً بحرف في رسالته التي نشرها حول حديث الثقلين بعنوان «حديث الثقلين وفقهه»(1) وقد أجبنا عنه بأن:
الطعن في «عطية» عجيب جدّاً، لأنّه إن كان المطلوب كون الرجل مجمعاً على وثاقته حتى تقبل روايته، فلا إجماع على عطيّة، بل لا إجماع حتى على البخاري، وأمثاله(2)،… إذنْ، لابدَّ من التحقيق والنظر الدقيق، لنعرف من روى عن عطيّة واعتمد عليه، ولنفهم السبب في طعن من طعن فيه… .
(1) حديث الثقلين وفقهه، الدكتور علي أحمد السالوس، ط دار إصلاح 1406. ولاحظ: حديث الثقلين تواتره وفقهه، نقد لِما كتبه الدكتور السالوس. ط قم إيران 1413.
(2) قد أورد الحافظ الذهبي، البخاري في كتاب (المغني في الضعفاء) كما عرفت.