المسألة الثالثة: إسقاط جنينها
وروايات القوم في هذا الموضع مشوشة جدّاً، يعرف ذلك كلّ من يراجع رواياتهم وأقوالهم وكلماتهم.
لقد نصّت رواياتهم على أنّه كان لعلي عليه السّلام من فاطمة عليها السّلام ثلاثة ذكور: حسن، وحسين، ومحسن أو محسِّن أو محسَّن، وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم قد سمّى هؤلاء بهذه الأسامي تشبيهاً بأسماء أولاد هارون: شَبَر شُبير ومشبّر، وهذا موجود في: ]مسند أحمد[(1)، وفي ]المستدرك[ وقد صحّحه الحاكم(2)، والذهبي أيضاً صحّحه(3)، وموجود في مصادر أُخرى(4).
فيبقى السؤال: هل كان لعلي ولد بهذا الإسم أو لا؟ قالوا: كان له ولد بهذا الإسم… فأين صار؟ وما صار حاله؟ يقولون بوجوده ثمّ يختلفون، أتريدون أن يصرّحوا تصريحاً واضحاً لا لبس فيه ولا غبار عليه؟! إنّه في القضايا الجزئيّة البسيطة يتلاعبون بالأخبار والأحاديث، كما رأينا في هذه المباحث، وسنرى في المباحث الآتية، وفي مثل هذه القضيّة تتوقّعون أن يصرّحوا؟ نعم، عثرنا على أفراد معدودين منهم قالوا بالحقيقة وواجهوا ما واجهوا، وتحمّلوا ما تحمّلوا.
أحدهم: ابن أبي دارم المتوفى سنة 352:
قال الذهبي بترجمته: الإمام الحافظ الفاضل أبو بكر أحمد بن محمّد السري بن يحيى بن السري بن أبي دارم التميمي الكوفي الشيعي ]أصبح شيعياً!! [محدِّث الكوفة، حدّث عنه الحاكم، وأبو بكر ابن مردويه، ويحيى بن إبراهيم المزكِّي، وأبو الحسن ابن الحمّامي، والقاضي أبو بكر الجيلي، وآخرون. كان موصوفاً بالحفظ والمعرفة، إلاّ أنّه يترفّض ]لماذا يترفّض؟[ قد ألّف في الحطّ على بعض الصحابة»(5).
لا يقول أكثر من هذا: ألّف في الحطّ على بعض الصحابة، فهو إذنْ يترفّض.
ولو راجعتم كتابه الآخر ]ميزان الإعتدال[ فهناك يذكر هذا الشخص ويترجم له، وينقل عن الحافظ محمّد بن أحمد بن حمّاد الكوفي الحافظ أبي بشر الدولابي(6) فيقول: قال محمّد بن أحمد بن حمّاد الكوفي الحافظ أبي بشر الدولابي ـ بعد أن أرّخ موته ـ كان مستقيم الأمر عامّة دهره، ثمّ في آخر أيّامه كان أكثر ما يُقرأ عليه المثالب، حضرته ورجل يقرأ عليه: إنّ عمر رفس فاطمة حتّى أسقطت بمحسن(7).
كان مستقيم الأمر عامّة دهره، لكنّه في آخر أيّامه كان أكثر ما يقرأ عليه المثالب، فهو ـ إذن ـ خارج عن الإستقامة!!
أتذكّر أنّ أحد الصحابة وهو عمران بن حصين ـ هذا الرجل كان من كبار الصحابة، يثنون عليه غاية الثناء، ويكتبون بترجمته إنّ الملائكة كانت تحدّثه، لعظمة قدره وجلالة شأنه(8) ـ هذا الشخص عندما دنا أجله، أرسل إلى أحد أصحابه، وحدّثه عن رسول اللّه بمتعة الحج ـ التي حرّمها عمر بن الخطّاب وأنكر عليه تحريمها ـ ثمّ شرط عليه أنّه إنْ عاش فلا ينقل ما حدّثه به، وإنْ مات فليحدّث(9).
نعم، كان هذا الرجل (ابن أبي دارم) مستقيم الأمر عامّة دهره، اقتضت ظروفه أن لا ينقل مثل هذه القضايا، ولذا كان مستقيم الأمر عامة دهره!! ثمّ في آخر أيّامه عندما دنا أجله وقرب موته، حينئذ، جعل يُقرأ له المثالب واتفق أنْ دخل عليه هذا الراوي ووجد رجلاً يقرأ له هذا الخبر «إنّ عمر رفس فاطمة…»، فلولا دخول هذا الشخص عليه لما بلغنا هذا الخبر أيضاً، وذلك في أواخر حياته، حتّى إذا مات، أو حتّى إذا أوذي أو ضرب فمات على أثر الضرب، فقد عاش في هذه الدنيا وعمّر عمره.
ورجل آخر هو: النظّام، إبراهيم بن سيّار النظّام ا لمعتزلي المتوفى سنة 231.
هذا أيضاً ينصّ على وقوع هذه الجناية على الزهراء الطاهرة وجنينها، وهذا الرجل كان رجلاً جليلاً، وكان من المعتزلة الجريئين الذين لا يخافون ولا يهابون، وله أقوال مختلفة في المسائل الكلامية تذكر في الكتب، وربّما خالف فيها المشهور بين العلماء، وكانت أقواله شاذّة، إلاّ أنّه من كبار العلماء، ذكروا عنه أنّه كان يقول: إنّ عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتّى ألقت الجنين من بطنها، وكان يصيح عمر: أحرقوا دارها بمن فيها، وما كان بالدار غير علي وفاطمة والحسن والحسين.
وممّن نقل عنه هذا: الشهرستاني في ]الملل والنحل[، والصّفدي في ]الوافي بالوفيات[(10)، ويوجد قوله هذا في غير هذين الكتابين.
وممّن عثرنا عليه: ابن قتيبة صاحب كتاب ]المعارف[، لكن لا تراجعون كتاب المعارف الموجود الآن لا تجدون هذه الكلمة فالكتاب محرّف.
ابن شهر آشوب المتوفى سنة 588 ينقل عن كتاب المعارف قوله: إنّ محسناً فسد من زخم قنفذ العدوي(11).
أمّا في كتاب المعارف الموجود الآن بين أيدينا المحقق!! فلفظه: أمّا محسن بن علي فهلك وهو صغير(12).
وتجدون في كتاب ]تذكرة الخواص[ للبسط ابن الجوزي أنه يقول: مات طفلاً(13).
لكن البعض الآخر منهم ـ وهو الحافظ محمد بن محمد بن معتمد خان البدخشاني وهذا من المتأخرين، وله كتب، منها ]نُزل الأبرار فيما صحّ من مناقب أهل البيت الأطهار[ يقول بأنّه مات صغيراً(14).
وعندما نراجع ابن أبي الحديد، نراه ينقل عن شيخه ـ حيث حدّثه قضية هبّار بن الأسود، وأنتم مسبوقون بهذا الخبر، وأنّ هذا الرجل روّع زينب بنت رسول اللّه فألقت ما في بطنها ـ قال شيخه: لمّا ألقت زينب ما في بطنها أهدر رسول اللّه دم هبّار لأنّه روّع زينب فألقت ما في بطنها، فكان لابدّ أنّه لو حضر ترويع القوم فاطمة الزهراء وإسقاط ما في بطنها، لحكم بإهدار دم من فعل ذلك.
هذا يقوله شيخ ابن أبي الحديد.
فيقول له ابن أبي الحديد: أروي عنك ما يرويه بعض الناس من أنّ فاطمة رُوّعت فألقت محسناً؟ فقال: لا تروه عنّي ولا ترو عنّي بطلانه(15).
نعم لا يروون، وإذا رووا يحرّفون، وإذا رأوا من يروي مثل هذه القضايا فبأنواع التهم يتّهمون.
(1) مسند أحمد 1 / 98 و 118.
(2) المستدرك على الصحيحين 3 / 165.
(3) المستدرك على الصحيحين. ذيله.
(4) مجمع الزوائد 4 / 59، المعجم الكبير 3 / 39، لسان العرب 4 / 393، تاج العروس 3 / 289، كنز العمال 13 / 659، تاريخ مدينة دمشق 45 / 304، البداية والنهاية 7 / 53.
(5) سير أعلام النبلاء 15 / 576.
(6) سير أعلام النبلاء 14 / 309.
(7) ميزان الإعتدال 1 / 139، سير أعلام النبلاء 15 / 578.
(8) الإصابة 4 / 585 .
(9) نصّ الخبر: عن مطرف قال: بعث إليّ عمران بن حصين في مرضه الذي توفّي فيه، فقال: إنّي محدّثك بأحاديث، لعلّ اللّه أنْ ينفعك بها بعدي، فإنْ عشت فاكتم عَلَيّ وإنْ متُّ فحدّث بها إنْ شئت، إنّه قد سُلّم علي، واعلم أنْ نبي اللّه صلّى اللّه عليه وآله قد جمع بين حج وعمرة، ثمّ لم ينزل فيها كتاب اللّه، ولم ينه عنها نبي اللّه، فقال رجل برأيه فيها ما شاء. راجع باب جواز التمتّع من الصحيحين، وهو في مسند أحمد 4 / 434.
(10) الملل والنحل 1 / 57، الوافي بالوفيات 6 / 15.
(11) مناقب آل أبي طالب 3 / 133.
(12) المعارف: 211.
(13) تذكرة الخواص: 57 .
(14) نزل الأبرار بما صحَّ من مناقب أهل البيت الأطهار: 74.
(15) شرح نهج البلاغة 14 / 193.