الحديث السابع:
أخرج الطبراني أنّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم قال لعلي: «فاطمة أحبّ إليّ منك وأنت أعزّ عليّ منها».
قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح(1).
هذه هي الأحاديث التي انتخبتها، لتكون مقدمةً لبحوثنا الآتية، وسنستنتج من هذه الأحاديث في المطالب اللاحقة، وفي الحوادث الواقعة، وهي أحاديث ـ كما رأيتم ـ في المصادر المهمّة بأسانيد صحيحة، ودلالاتها أيضاً لا تقبل أيّ مناقشة.
ومن دلالات هذه الأحاديث: أنّ فاطمة سلام اللّه عليها معصومة، بالإضافة إلى دلالة أية التطهير وغيرها من الأدلّة.
مضافاً إلى أن غير واحد من حفّاظ القوم وكبار علمائهم قالوا بأفضليّة الزهراء سلام اللّه عليها من الشيخين، بسبب هذه الأحاديث وحديث «فاطمة بضعة منّي» بالخصوص، بل قال بعضهم بأفضليّتها من الخلفاء الأربعة كلّهم، ولا مستند لهم إلاّ الأحاديث التي ذكرتها.
ولأقرأ لكم عبارة المنّاوي وكلامه المشتمل على بعض الأقوال من كبار علماء القوم، ففي ]فيض القدير[ في شرح حديث «فاطمة بضعة منّي» قال: استدل به السهيلي ]وهو حافظ كبير من علمائهم، وهو صاحب شرح سيرة ابن هشام وغيره من الكتب[ على أن من سبّها كفر ]ولماذا؟ لاحظوا[ لأنّه يغضبه ]أي لأنّ سبّها يغضب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم![ وأنّها أفضل من الشيخين.
وإذا كانت هذه اللام لام تعليل «لأنّه يغضبه»، والعلة إمّامعمّمة وإمّا مخصّصة، ولابد أن تكون هنا معمّمة، يوجب الكفر، لأنّه أي السب يغضبها، فيكون أذاها أيضاً موجباً للكفر، لأن الأذى ـ أذى الزهراء سلام اللّه عليها ـ يغضب رسول اللّه بلا إشكال.
قال المناوي: قال ابن حجر: وفيه ـ أي في هذا الحديث ـ تحريم أذى من يتأذّى المصطفى بأذيّته، فكلّ من وقع منه في حقّ فاطمة شيء فتأذّت به فالنبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم يتأذّى به بشهادة هذا الخبر، ولا شيء أعظم من إدخال الأذى عليها في ولدها، ولهذا عرف بالاستقراء معاجلة من تعاطى ذلك بالعقوبة بالدنيا ولعذاب الآخرة أشد.
ففي هذا الحديث تحريم أذى فاطمة، وتحريم أذى فاطمة لأنّها بضعة من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، بل هو موجب للكفر كما تقدّم.
وقال المناوي: قال السبكي: الذي نختاره وندين اللّه به أنّ فاطمة أفضل من خديجة ثمّ عائشة.
قال المناوي: قال شهاب الدين ابن حجر: ولوضوح ما قاله السبكي تبعه عليه المحققون.
قال المناوي: وذكر العَلَم العراقي: إنّ فاطمة وأخاها اِبراهِيم أفضل من الخلفاء الأربعة باتفاق(2).
إذن، لا يبقى خلاف بيننا وبينهم في أفضلية الزهراء من الشيخين، وأن أذاها موجب للدخول في النار.
ثمّ إنّ هذه الأحاديث مطلقة ليس فيها أي قيد، عندما يقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم: «إنّ اللّه يغضب لغضب فاطمة» لا يقول إنّ كانت القضية كذا، لا يقول بشرط أن يكون كذا، لا يقول إنّ كان غضبها بسبب كذا، ليس في الحديث أيّ تقييد، إن اللّه يغضب لغضب فاطمة، بأي سبب كان، ومن أيّ أحد كان، وفي أيّ زمان، أو أيّ وقت كان. وعندما يقول: «يؤذيني ما آذاها»، لا يقول رسول اللّه: يؤذيني ما آذاها إنْ كان كذا، إنْ كان المؤذي فلاناً، إن كان في وقت كذا، ليس فيه أي قيد، بل الحديث مطلق «يؤذيني ما آذاها».
ودلّت الأحاديث هذه على وجوب قبول قولها، وحرمة تكذيبها، وقد شهدت عائشة بأنّها سلام اللّه عليها أصدق الناس لهجةً ما عدا والدها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم، ورسول قال كلّ هذا وفَعَله مع علمه بما سيكون من بعده.
(1) مجمع الزوائد 9 / 173 و 202.
(2) فيض القدير 4 / 544 ـ 555.