تكذيب عمر بن الخطّاب عملاً:
ورابعاً: لقد كذّب عمر بن الخطاب الحديث بردّ فدك إلى علي والعبّاس، فقد جاء في الصحيحين ـ بذيل الحديث الذي ذكرناه تحت عنوان «علي والعبّاس كذّباه» ـ أنّ عمر قد ردّ فدكاً في ولايته إلى علي والعبّاس، فقد جاء فيه أنّه قد خاطبهما بقوله: «ثمّ جئتني أنت وهذا وأنتما جميع وأمركما واحد، فقلتما: إدفعها إلينا، فقلت: إنْ شئتم دفعتها إليكما على أنّ عليكما عهد اللّه أنْ تعملا فيها بالذي كان يعمل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأخذتماها بذلك. قال: أكذلك؟ قالا: نعم»(1).
فهنا مطالب:
الأول: إنّ الظاهر منه مطالبتهما بفدك، فهي مرجع الضمير في: «ادفعها» و«دفعتها» و«تعملا فيها» وغير ذلك.
والثاني: إنّ من الواضح أنّ مطالبة أمير المؤمنين (عليه السلام) كانت نيابةً عن الزهراء ومطالبة العباس كانت من باب الإرث ـ وذلك صريح كلام ياقوت في معجم البلدان المتقدّم سابقاً ـ فلا يقال: لعلّهما طالبا بغير فدك ممّا ترك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم.
والثالث: إنّ عمر بن الخطاب قد ردّ فدكاً إليهما قائلاً: «على أنّ عليكما عهد اللّه . . .» ففيه تكذيب عملي لحديث: «إنّا معاشر الأنبياء . . .»، وأيضاً: يتوجّه على أبي بكر أنّه لماذا لم يردّها على الزهراء مع أخذ العهد منها كذلك؟!
والرابع: قد اشتمل الحديث على وقوع النزاع بين علي والعباس على فدك وتخاصمهما إلى أبي بكر وإلى عمر، وأنّ العبّاس قد سبّ أمير المؤمنين (عليه السلام) عنده، وهذا ما لا يمكن التصديق به أبداً.
والخامس: إنّ عمر بن الخطاب كان هو المساعِد الأوّل لأبي بكر في أخذ فدك وعدم ردّها إلى علي والزهراء عليهما السلام ، فكيف عاد في حكومته وردّها؟!
إنّ هذا من جملة القرائن والشواهد على أنّ الغرض من أخذ فدك في ذلك الوقت كان شيئاً آخر، كما أنّ للمطالبة بها من طرف الإمام وسيّدة النساء غرضاً آخر . . .
لكنّ القوم اضطربوا أمام هذا الحديث، لاشتماله على هذا التناقض من عمر، ومن علي والعباس أيضاً، لاشتماله على إقرارهما بحديث «إنّا معاشر الأنبياء . . .» ومطالبتهما بفدك في نفس الوقت!! وعلى السبّ من العباس لعلي (عليه السلام)! وقال النووي: «قال القاضي عياض قال المازري: هذا اللفظ الذي وقع لا يليق ظاهره بالعبّاس، وحاش لعلي أنْ يكون فيه بعض هذه الأوصاف . . . وإذا انسدّت طرق تأويلها نسبنا الكذب إلى رواتها (قال:) وقد حمل هذا المعنى بعض الناس على أن أزال هذا اللفظ من نسخته تورّعاً عن إثبات مثل هذا . . .»(2).
وقال ابن أبي الحديد: «قلت: وهذا الحديث يدلّ صريحاً على أنّهما جاءا يطلبان الميراث لا الولاية، وهذا من المشكلات، لأنّ أبا بكر حسم المادّة أوّلاً وقرّر عند العباس وعلي وغيرهما أنّ النبي صلّى اللّه عليه وآله لا يورث، وكان عمر من المساعدين له على ذلك، فكيف يعود العباس وعلي بعد وفاة أبي بكر يحاولان أمراً كان قد فرغ منه ويئس من حصوله، اللّهمّ إلاّ أن يكونا ظنّا أنّ عمر ينقض قضاء أبي بكر في هذه المسألة، وهذا بعيد، لأنّ علياً والعباس كانا في هذه المسألة يتّهمان عمر بممالاة أبي بكر على ذلك، ألا تراه يقول نسبتماني ونسبتما أبا بكر إلى الظلم والخيانة، فكيف يظنّان أنّه ينقض قضاء أبي بكر ويورّثهما؟»(3).
(1) صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب حكم الفيء 5 / 152 ـ 153.
(2) شرح صحيح مسلم مجلد 6 / 12 / 59 ح 1757 باب حكم الفئ من كتاب الجهاد والسير.
(3) شرح نهج البلاغة 16 / 229 ـ 230.