تكذيب الحافظ ابن خراش صريحاً:
وثامناً: وأخيراً . . . لقد تقدم ـ في الوجه الرابع ـ أنّ بعض كبار الحفاظ اتّهم رواة الحديث المشتمل على «إنّا معاشر الأنبياء . . .» بالكذب، ومنهم «مالك بن أوس»، إلاّ أنّه قد نصّ أحد كبار الأئمّة الحفّاظ من أعلام القرن الثالث على بطلان خصوص حديث «إنّا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة» واتّهم «مالك بن أوس» بالخصوص، فاستمع إلى ما قاله الحافظ الذهبي بترجمة الحافظ عبد الرحمن بن يوسف بن خراش:
«ابن خراش ـ الحافظ البارع الناقد، أبو محمّد، عبد الرحمن بن يوسف بن سعيد بن خراش المروزي ثمّ البغدادي، سمع . . . حدّث عنه: أبو سهل القطّان وأبو العبّاس ابن عقدة وبكر بن محمّد الصيرفي وغيرهم.
قال بكر بن محمّد: سمعته يقول: شربت بولي في هذا الشأن خمس مرّات.
وقال أبو نعيم: ما رأيت أحداً أحفظ من ابن خراش.
قال ابن عدي الجرجاني: ذكر بشيء من التشيّع وأرجو أنّه لا يتعمّد الكذب، سمعت ابن عقدة يقول: كان ابن خراش عندنا إذا كتب شيئاً من باب التشيّع يقول: هذا لا ينفق إلاّ عندي وعندك. وسمعت عبدان يقول: حمل ابن خراش إلى بندار كان عندنا جزءَين صنّفهما في مثالب الشيخين، فأجازه بألفي درهم بنى له بها حجرةً، فمات إذا فرغ منها.
وقال أبو زرعة محمّد بن يوسف: خرّج ابن خراش مثالب الشيخين وكان رافضيّاً.
وقال ابن عدي: سمعت عبدان يقول: قلت لابن خراش: حديث ما تركنا صدقة؟ قال: باطل، أتّهِمُ مالك بن أوس بالكذب. ثمّ قال عبدان: وقد روى مراسيل وصلها ومواقيف رفعها.
(قال الذهبي): قلت: جهلة الرافضة لم يدروا الحديث ولا السيرة ولا كيف ثمَّ! فأمّا أنت أيُّها الحافظ البارع الذي شربت بولك ـ إن صدقت ـ في الترحال، فما عُذرك عند اللّه؟ مع خبرتك بالأُمور؟ فأنت زنديق معاند للحق، فلا رضي اللّه عنك.
مات ابن خراش إلى غير رحمة اللّه سنة 283»(1).
وقال بترجمته أيضاً بعد أن أورد ما تقدّم: «قلت: هذا معثّر مخذول، كان علمه وبالاً وسعيه ضلالاً، نعوذ باللّه من الشقاء»(2).
وقال أيضاً: «قلت: هذا ـ واللّه ـ الشيخ المعثّر الذي ضلّ سعيه، فإنّه كان حافظ زمانه، وله الرحلة الواسعة والاطّلاع الكثير والإحاطة، وبعد هذا فما انتفع بعلمه، فلا عتب على حمير الرافضة وحواثر جزّين ومشغرا»(3).
(1) تذكرة الحفّاظ 2 / 684.
(2) سير أعلام النبلاء 13 / 510.
(3) ميزان الاعتدال 4 / 330.
Menu