المقدمة الاُولى
عنوان هذا الكتاب «عموم ولاية المعصوم» وهو يبحث عن أحد منازل المعصومين، وهو «الولاية».
والولاية من مُصطلحات القرآن الكريم التي اُستعملت في غير موضع منه وفي السنّة الشريفة كثيراً جدّاً، يقول عزّ وجلّ: (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذينَ آمَنُوا الَّذينَ يُقيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ)(1).
يقال: وَلِيَ الشيء وِلايةً، أي: ملك أمره، ومنه: وليّ اليتيم، أي: الذي يلي أمره ويقوم بكفاية شئونه.
وهذا غير ما يقال: وَلِيَ فلاناً وَلايةً، أي: أحبّه.
وغير الوِلاية بمعنى الأمارة والسّلطنة.
كما أنّ «الولاية» تأتي بمعنى البلاد التي يتسلّط عليها الشخص، وجمعها: الولايات.
فمعنى قوله تعالى: (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ…) أنّ الله تعالى هو القائم بأمر الناس وأنّ اُمورهم قائمة به، وكذلك (وَرَسُولُهُ وَالَّذينَ آمَنُوا الَّذينَ…).
ولذا يعبَّر عن الولاية على المؤمنين بهذا المعنى بـ«الأولويّة»، وقد جاءت بهذا التعبير في قوله تعالى (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ…).
لكنّ هذه الأولويّة المصرَّح بها في الآية المباركة مطلقةً مختصّةٌ بـ«النبيّ» و«الذين آمنوا…» وهو علي عليه السّلام ومن قام الدليل على ثبوتها له، ويجمعهم عنوان «العصمة».
فهي من جهة مطلقة، لعدم اختصاصها بفرد دون فرد من «المؤمنين» ولا بجهة دون اخرى من جهاتهم وشئونهم وأحوالهم، ومن جهة اخرى مقيّدة بـ«أهل العصمة».
ويعبّر عن هذه الولاية ـ أي الأولويّة ـ المتعلّقة بـ«المؤمنين» المجعولة من الله، بـ«الولاية التشريعيّة».
لكنّ نطاق ولاية «النبيّ وأهل العصمة» أوسع، فقد قامت الأدلّة على ثبوتها لهم على الكون، فهي تدلُّ على أنّ الله عزّ وجلّ قد أذن لهم بالتصرّف في العالم بأجمعه، وهي الولاية المعبّر عنها بـ«الولاية التكوينيّة».
فالمعصوم قد ثبت له الإذن بالتصرّف في كلّ ما خلقه الله من الكائنات وفي المؤمنين على ما سيأتي.
وهل له أنْ يتصرّف في شيء من الأحكام الشرعيّة، وهو ما عبّر عنه في الروايات بـ«تفويض الأحكام» أو أنه خاصٌّ بالنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم؟
وبعبارة اُخرى: هل للمعصوم «الولاية على الأحكام» أوْلا؟
وتبقى ولايته ووجوب طاعته في الأوامر والنواهي الشخصيّة والعرفيّة، فتكون له الأولويّة فيها أيضاً أوْلا؟
وقد سمّينا الكتاب بـ«عموم ولاية المعصوم» للبحث عن جميع أقسام الولاية وإثبات جميعها للمعصوم.
(1) سورة المائدة: الآية 55.