رواية الحاكم:
وأخرج الحاكم قائلا:
«(1) حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، ثنا العبّاس بن محمّد الدوري، ثنا أبو عاصم، ثنا ثور بن يزيد، ثنا خالد بن معدان، عن عبدالرحمن بن عمرو السلمي، عن العرباض بن سارية، قال: صلّى لنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]وآله[ وسلّم صلاة الصبح، ثمّ أقبل علينا فوعظنا موعظةً وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول اللّه، كأنّها موعظةً مودّع فأوصنا.
قال: أُوصيكم بتقوى اللّه، والسمع والطاعة وإن أُمِّرَ عليكم عبدٌ حبشي، فإنّه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسُنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين المهديّين، عضّوا عليها بالنواجذ، وإيّاكم ومحدثات الأمور، فإنّ كلّ بدعة ضلالة.
هذا حديثٌ صحيحٌ ليس له علة.
وقد احتجّ البخاري بعبد الرحمن بن عمرو وثور بن يزيد، وروى هذا الحديث في أول كتاب الاعتصام بالسُنّة.
والّذي عندي أنّهما ـ رحمهما اللّه ـ توهّما أنّه ليس له راو عن خالد بن معدان غير ثور بن يزيد، وقد رواه محمّد بن إبراهيم بن الحارث المخرّج حديثه في الصحيحين عن خالد بن معدان.
(2) حدّثنا أبو عبداللّه الحسين بن الحسن بن أيّوب، ثنا أبو حاتم محمّد بن إدريس الحنظلي، ثنا عبداللّه بن يوسف التنيسي، ثنا الليث، عن يزيد بن الهاد، عن محمّد بن إبراهيم، عن خالد بن معدان، عن عبدالرحمن بن عمرو، عن العرباض بن سارية ـ من بني سليم، من أهل الصُفّة ـ قال:
خرج علينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]وآله[ وسلّم يوماً فقام فوعظ الناس ورغّبهم وحذّرهم وقال ما شاء اللّه أن يقول.
ثمّ قال: اعبدوا اللّه ولا تشركوا به شيئاً، وأطيعوا ممن ولاّه اللّه أمركم، ولا تنازعوا الأمر أهله ولو كان عبداً أسودَ، وعليكم بما تعرفون من سُنّة نبيّكم والخلفاء الراشدين المهديّين، وعضّوا على نواجذكم بالحقّ.
هذا إسناد صحيح على شرطهما جميعاً، ولا أعرف له علّةً.
وقد تابع ضمرة بن حبيب خالد بن معدان على رواية هذا الحديث عن عبدالرحمن بن عمرو السلمي.
(3) حدّثناه أبو الحسن أحمد بن محمّد العنبري، ثنا عثمان بن سعيد الدارمي. وأخبرنا أبو بكر محمّد بن المؤمل، ثنا الفضل بن محمّد، قالا: ثنا أبو صالح، عن معاوية بن صالح.
وأخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر القطيعي، ثنا عبداللّه بن أحمد بن حنبل، حدّثني أبي، ثنا عبدالرحمن ـ يعني ابن مهدي ـ ، عن معاوية بن صالح عن ضمرة بن حبيب، عن عبدالرحمن بن عمرو السلمي، أنّه سمع العرباض بن سارية قال:
وعظنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]وآله[ وسلّم موعظةً ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقلنا يا رسول اللّه، إنّ هذا لموعظة مؤدّع فماذا تعهد إلينا؟
قال: قد تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلاّ هالك، ومن يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بما عرفتم من سُنّتي وسُنّة الخلفاء المهديّين الراشدين من بعدي، وعليكم بالطاعة وإن ]كان[ عبداً حبشياً، عضوّا عليها بالنواجذ.
فكان أسد بن وداعة يزيد في هذا الحديث: فإنّ المؤمن كالجمل الأنف حيث ما قيد انقاد.
وقد تابع عبدالرحمن بن عمرو على روايته عن العرباض بن سارية ثلاثة من الثقات الأثبات من أئمّة أهل الشام:
منهم: حجر بن حجر الكلاعي:
(4) حدّثنا أبو زكريّا يحيى بن محمّد العنبري، ثنا أبو عبداللّه محمّد بن إبراهيم العبدي، ثنا موسى بن أيوب النصيبي وصفوان بن صالح الدمشقي، قالا: ثنا الوليد بن مسلم الدمشقي، ثنا ثور بن يزيد، حدّثني خالد بن معدان، حدّثني عبدالرحمن بن عمرو السلمي، وحجر بن حجر الكلاعي، قالا:
أتينا العرباض بن سارية ـ وهو ممّن نزل فيه: (وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ) ـ فسلّمنا وقلنا: أتيناك زائرين ومقتبسين.
فقال العرباض:
صلّى بنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]وآله[ وسلّم الصبح ذات يوم، ثمّ أقبل علينا فوعظنا موعظةً بليغةً ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب. فقال قائل: يا رسول اللّه، كأنّها موعظة مؤدع فما تعهد إلينا؟
فقال: أُوصيكم بتقوى اللّه، والسمع والطاعة وإن كان عبداً حبشياً، فإنّه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسُنّتي وسُنّة الخلفاء الراشدين المهديّين، فتمسّكوا بها وعضّوا عليها بالنواجذ، وإيّاكم ومحدَثات الأُمور، فإنّ كلّ محدثة بدعة، وكلّ بدعة ضلالة.
ومنهم: يحيى بن أبي المطاع القرشي:
(5) حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، ثنا أحمد بن عيسى بن زيد التنيسي، ثنا عمرو بن أبي سلمة التنيسي، أنبأ عبداللّه بن العلاء بن زيد(1)، عن يحيى بن أبي المطاع، قال: سمعت العرباض بن سارية السلمي يقول:
قام فينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]وآله[ وسلّم ذات غداة فوعظنا موعظةً وجلت منها القلوب، وذرفت منها الأعين. قال: فقلنا: يا رسول اللّه، قد وعظتنا موعظة مودّع فاعهد إلينا.
قال: عليكم بتقوى اللّه ـ أظنّه قال: والسمع والطاعة ـ ، وسترى من بعدي اختلافاً شديداً ـ أو: كثيراً ـ ، فعليكم بسُنّتي وسُنّة الخلفاء المهديّين، عضّوا عليها بالنواجذ، وإيّاكم والمحدثات، فإنّ كلّ بدعة ضلالة.
ومنهم: معبد بن عبداللّه بن هشام القرشي:
وليس الطريق إليه من شرط هذا الكتاب، فتركته.
وقد استقصيت في تصحيح هذا الحديث بعض الاستقصاء على ما أدّى إليه اجتهادي، وكنت فيه كما قال إمام أئمّة الحديث شعبة ـ في حديث عبداللّه بن عطاء، عن عقبة بن عامر، لمّا طلبه بالبصرة والكوفة والمدينة ومكّة، ثمّ عاد الحديث إلى شهر بن حوشب فتركه، ثمّ قال شعبة ـ :
لأن يصحَّ لي مثل هذا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]وآله [وسلّم كان أحبّ إليَّ من والديَّ وولدي والناس أجمعين.
وقد صحّ هذا الحديث، والحمد للّه، وصلّى اللّه على محمّد وآله أجمعين»(2).
(1) كذا والصحيح: زبر.
(2) المستدرك على الصحيحين 1 / 174 ـ 177 كتاب العلم الأرقام 329 ـ 333.