ترجمة العرباض بن سارية الحمصي(1):
وبعد، فلننظر في ترجمة الراوي الوحيد لهذا الحديث، وهو الصحابي «العرباض بن سارية»:
كان من أهل الصُفّة، سكن الشام(2)، ونزل حمص(3). لم يرو عنه الشيخان، وإنّما ورد حديثه في السنن الأربعة(4)، مات سنة 75(5).
كان يدّعي أنّه ربعُ الإسلام، وهو كذبٌ بلا ريب.. وكان عمرو بن عبسة أيضاً يدّعي ذلك، قال محمّد بن عوف: «كلّ واحد من العرباض وعمر بن سارية وعمرو بن عبسة يقول: أنا ربع الإسلام، لا يُدرى أيّهما أسلم قبل صاحبه؟!»(6).
وكان يقول: «عتبة خير منّي سبقني إلى النبي بسنة».
وهكذا كذب كذلك، وقد رواه أبناء عساكر والأثير وحجر… بالإسناد عن عبداللّه بن أحمد، عن أبيه، بسنده عن شريح بن عبيد، قال:
«كان عتبة يقول: عرباض خيرٌ منّي. وعرباض يقول: عتبة خيرٌ منّي سبقني إلى النبي صلّى اللّه عليه ]وآله[ وسلّم بسنة»(7).
والذي يبيّن كذبه بوضوح ما رواه ابن الأثير بترجمة عتبة بسنده إلى شريح، قال:
«قال عتبة بن عبدالسلمي: كان النبيّ صلّى اللّه عليه ]وآله [وسلّم إذا أتاه الرجل وله الاسم لا يحبّه حوّله. ولقد أتيناه وإنّا لسبعةٌ من بني سليم أكبرنا العرباض بن سارية، فبايعناه جميعاً»(8).
ومن جملة أكاذيبه ما أخرجه أحمد، قال:
«حدثنا عبداللّه حدثنى أبي ثنا عبدالرحمن بن مهدي، عن معاوية ـ يعني ابن صالح ـ ، عن يونس بن سيف، عن الحرث بن زياد، عن أبي رهم، عن العرباض بن سارية السلمي، قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]وآله [وسلّم وهو يدعونا إلى السحور في شهر رمضان، هلمّوا إلى الغذاء المبارك. ثمّ سمعته يقول: اللّهمّ علّم معاوية الكتاب والحساب وقه العذاب»(9).
فإنّه ـ وإن اكتفى ابن القطّان بتضعيفه(10) ـ كذب بلا ارتياب… وإلاّ لأُخرج في الصحاح وغيرها وعقد به لمناقب معاوية باب… إنّه حديث تكذّبه الوقائع والحقائق، والبراهين والوثائق… إنّه حديث تكذّبه الأدلّة المحكمة من الكتاب والسُنّة المتقنة، القائمة بتحريم ما استباحه معاوية من قتل للنفوس، وتبديل للأحكام، وارتكاب للمحرّمات القطعيّة كبيع الخمر والأصنام، وشرب للخمر وأكل للربا.. وغير ذلك ممّا لا يحصى… .
لكن الرجل سكن بلاد الشام، ونزل حمص بلد النواصب اللئام… وفي ظروف راجت فيها الأكاذيب والافتراءات… فجعل يتقوّل على اللّه والرسول التقوّلات، تزلّفاً إلى الحكّام، وطمعاً في الحطام.
* ثمّ إنّ رواة هذا الحديث عن «العرباض بن سارية» هم:
1 ـ عبدالرحمن بن عمرو السلمي.
2 ـ حجر بن حجر.
3 ـ يحيى بن أبي المطاع.
4 ـ معبد بن عبداللّه بن هشام.
أمّا الرابع، فلم أجده إلاّ عند الحاكم حيث قال: «ومنهم: معبد بن عبداللّه بن هشام القرشي» ثمّ قال: «وليس الطريق إليه من شرط هذا الكتاب فتركته».
(1) تاريخ دمشق 11 / 531.
(2) الاستيعاب 3 / 308.
(3) الإصابة 4 / 399، تحفة الاحوذي 7 / 366.
(4) الإصابة 4 / 399، تهذيب التهذيب 7 / 153.
(5) الإصابة 4 / 399، تهذيب التهذيب 7 / 154.
(6) تاريخ دمشق 11 / 532، تهذيب التهذيب 7 / 153.
(7) تاريخ دمشق 11 / 534، أُسد الغابة 3 / 557، الإصابة 4 / 362.
(8) أُسد الغابة 3 / 557 .
(9) مسند أحمد 5 / 111، العرباض بن سارية الرقم 16702.
(10) المغنى عن حمل الأسفار ـ هامش إحياء العلوم ـ 1 / 37.