قد ذكرنا أهمّ أسانيد الخبر في كتب القوم وقبل الورود في النظر في أسانيده، لابُدّ من أن نشير إلى أُمور.
1 ـ إنّ هذا الخبر ممّا أعرض عنه البخاري ومسلم ولم يخرجاه في كتابيهما المعروفين بالصحيحين، وكم من حديث صحيح سنداً لم يأخذ القوم به معتذرين باتّفاق الشيخين على تركه!
2 ـ إنّه خبر غير مخرَّج في شيء من سائر الكتب المعروفة عندهم بالصحاح، فهو خبر اتّفق أرباب الصحاح الستّة وغيرهم على تركه!
3 ـ إنّه خبر غير مخرّج في شيء من المسانيد المعتبرة كمسند أحمد بن حنبل، وقد نقلوا عن أحمد أنّ ما ليس في المسند فليس بصحيح!
4 ـ إنّه قد صرّح غير واحد من رواة هذا الخبر بغرابته; قال الحاكم:
«ذكر الاعتصام بالسُنّة في هذه الخطبة غريب» وقد نصَّ على صحّة سند الخطبة المشتملة على الاعتصام بالعترة، وقال السجزي ـ كما في «كنز العمّال» ـ : «غريب جدّاً».
ثمّ لننظر في أسانيده في الكتب المذكورة.
سند الخبر في الموطّأ
وعمدة ما في الباب هو رواية مالك في الموطّأ، وهنا بحوث ثلاثة.
الأول: البحث عن الموطّأ. قال كاشف الظنون: «وهو كتاب قديم مبارك، قصد فيه جمع الصحيح، لكن إنّما جمع الصحيح عنده لا على اصطلاح أهل الحديث، لأنّه يرى المراسيل والبلاغات صحيحة. كذا في النكت الوفيّة»(1).
وقال السيوطي: «صرّح الخطيب وغيره بأنّ (الموطّأ) مقدّم على كلّ كتاب من الجوامع والمسانيد» قال: «فعلى هذا هو بعد صحيح الحاكم»(2).
وقال السيوطي: «قال ابن حزم في كتاب مراتب الديانة أحصيت ما في موطّأ مالك، فوجدت فيه من المسند خمسمائة ونيّفاً، وفيه ثلاثمائة ونيّف مرسلا، وفيه نيّف وسبعون حديثاً قد ترك مالك نفسه العمل بها، وفيه أحاديث ضعيفة وهّاها جمهور العلماء»(3).
الثاني: ترجمة مالك، ومالك بن أنس مقدوح مجروح من جهات ذكرناها بالتفصيل نقلا عن كتب القوم، نورد هنا بعضها باختصار:
1 ـ كونه من الخوارج. قال أبو العبّاس المبرّد في بحث له حول الخوارج: «وكان عدّة من الفقهاء ينسبون إليه، منهم عكرمة مولى ابن عبّاس، وكان يقال ذلك في مالك بن أنس، ويروي الزبيريّون أنّ مالك ابن أنس المديني كان يذكر عثمان وعليّاً وطلحة والزبير فيقول: واللّه ما اقتتلوا إلاّ على الثريد الأعفر»(4).
2 ـ كونه من المدلّسين. ذكر ذلك الخطيب البغدادي في ذكر شيء من أخبار بعض المدلّسين(5).
3 ـ اجتماعه بالأُمراء وسكوته عن منكراتهم. فقد قال عبداللّه ابن أحمد: «سمعت أبي يقول: كان ابن أبي ذئب ومالك يحضران عند الأُمراء، فيتكلّم ابن أبي ذئب، يأمرهم وينهاهم ومالك ساكت. قال أبي: ابن أبي ذئب خير من مالك وأفضل»(6).
4 ـ كان يتغنّى بالآلات. حتى ذكر ذلك أبو الفرج الأصبهاني في كتابه(7).
5 ـ تكلّم الأئمّة فيه. قال الخطيب: «عابه جماعة من أهل العلم في زمانه» ثم ذكر ابن أبي ذئب، وعبدالعزيز الماجشون، وابن أبي حازم، ومحمّد بن إسحاق(8).
وقال ابن عبدالبر: «وقد تكلّم ابن أبي ذئب في مالك بن أنس بكلام فيه جفاء وخشونة كرهت ذكره»(9).
وممّن تكلّم فيه أيضاً إبراهيم بن سعد، وكان يدعو عليه; وعبدالرحمن بن زيد بن أسلم; وابن أبي يحيى(10).
الثالث: النظر في سند حديثه، والحديث المذكور لا سند له في «الموطّأ»، قال السيوطي بشرحه: «وصله ابن عبدالبرّ من حديث كثير ابن عبداللّه بن عمرو بن عوف، عن أبيه، عن جدّه»(11).
قلت: وسنتكلّم على هذا السند في رواية ابن عبدالبرّ، فانتظر.
(1) كشف الظنون 2 / 724.
(2) تدريب الراوي 1 / 83.
(3) تنوير الحوالك 1 / 9.
(4) الكامل في الأدب 3 / 118.
(5) الكفاية في علم الرواية: 365.
(6) العلل ومعرفة الرجال 1 / 511.
(7) الأغاني 2 / 231.
(8) تاريخ بغداد 1 / 239.
(9) جامع بيان العلم 2 / 115.
(10) جامع بيان العلم 2 / 1115.
(11) تنوير الحوالك 3 / 93.