موقف علي وكبار الصحابة من تحريمها
وكان في المقابل أميرالمؤمنين عليّ عليه السّلام الحافظ للشريعة المطهَّرة والذابّ عن السُنّة المكرَّمة .
أخرج أحمد ومسلم عن عبدالله بن شقيق قال ـ واللفظ للأوّل ـ : « كان عثمان رضي الله عنه ينهى عن المتعة ، وعليّ رضي الله عنه يأمر بها ، فقال عثمان لعليّ : إنّك كذا وكذا . ثمّ قال(1) علي رضي الله عنه : لقد علمت أنّا قد تمتّعنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم . فقال : أجل ولكنّا كنّا خائفين »(2) .
وعن سعيد بن المسيّب ، قال : « اجتمع عليٌّ وعثمان رضي الله عنهما بعسفان ، فكان عثمان رضي الله عنه ينهى عن المتعة والعمرة . فقال له عليٌّ رضي الله عنه : ما تريد إلى أمر فعله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تنهى عنها ؟! فقال عثمان رضي الله عنه : دعنا منك !(3) .
وعن مروان بن الحكم ، قال : « شهدت عثمان وعليّاً رضي الله عنهما ، وعثمان ينهى عن المتعة وأن يجمع بينهما . فلمّا رأى عليٌّ أهلّ بهما : لبيّك بعمرة وحجّة ، قال : ما كنت لأدع سُنّة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لقول أحد »(4) . وعلى ذلك كان أعلام الصحابة :
* كابن عبّاس … فقد أخرج أحمد أنّه قال : « تمتّع النبي صلّى الله عليه وسلّم ، فقال عروة بن الزبير : نهى أبوبكر وعمر عن المتعة ، فقال ابن عبّاس : ما يقول عُرَيّة(5) !! قال : يقول : نهى أبوبكر وعمر عن المتعة .
فقال ابن عبّاس : أراهم سيهلكون ، أقول : قال النبي صلّى الله عليه وسلّم ; ويقول : نهى أبوبكر وعمر ! »(6) .
* وسعد بن أبي وقّاص … فقد أخرج الترمذي بأسناده : « عن محمّد بن عبدالله بن الحارث بن نوفل أنّه سمع سعد بن أبي وقّاص والضحّاك بن قيس ـ وهما يذكران التمتّع بالعمرة إلى الحجّ ـ فقال الضحّاك بن قيس : لا يصنع ذلك إلاّ من جهل أمر الله تعالى . فقال سعد : بئس ما قلت يا ابن أخي . فقال الضحّاك : فإنّ عمر بن الخطّاب قد نهى ذلك . فقال سعد : قد صنعها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصنعناها معه .
قال : هذا حديث صحيح »(7) .
* وأبي موسى الأشعري … فقد أخرج أحمد : « أنّه كان يفتى بالمتعة فقال له رجل : رويدك ببعض فُتياك ، فإنّك لا تدري ما أحدث أميرالمؤمنين في النسك بعدك ! حتى لقيه بعدُ فسأله ، فقال عمر رضي الله عنه : قد علمت أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قد فعله وأصحابه ولكنى كرهت أن يظلّوا بهنّ معرّسين في الأراك ، ثم يروحون بالحج تقطر رؤوسهم »(8) .
* وجابر بن عبدالله … فقد أخرج مسلم وغيره عن أبي نضرة ، قال : « كان ابن عبّاس يأمر بالمتعة ، وكان ابن الزبير ينهى عنها . قال فذكرت ذلك لجابر بن عبدالله . فقال : على يديّ دار الحديث . تمتّعنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلمّا قام عمر(9) قال : إنّ الله كان يحلّ لرسوله ما شاء بما شاء ، وإنّ القرآن قد نزل منازله ، فافصلوا حجّكم من عمرتكم ، وأبتّوا(10) نكاح هذه النساء فلن أوتى برجل نكح امرأةً إلى أجل إلاّ رجمته بالحجارة »(11) .
* وعبدالله بن عمر … فقد أخرج الترمذي : « أنّ عبدالله بن عمر سئل عن متعة الحجّ . فقال : هي حلال . فقال له السائل : إنّ أباك قد نهى عنها . فقال : أرأيت إن كان أبي نهى عنها وصنعها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمر أبي يتبع أم أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ؟! فقال الرجل : بل أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم . فقال : لقد صنعها رسول الله صلّى الله عليه ]وآله[ وسلّم »(12) .
* وعمران بن حصين(13) ـ وكان شديد الإنكار لذلك حتّى في مرض موته ـ فقد أخرج مسلم : « عن مطرف قال : بعث إليَّ عمران بن حصين في مرضه الذي توفّي فيه فقال : إنّي كنت محدّثك بأحاديث ، لعلّ الله أن ينفعك بها بعدي . فإن عشت فاكتم عنّي(14) وإن متّ فحدّث بها إن شئت . إنّه قد سُلّم عليَّ . واعلم أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم قد جمع بين حجّ وعمرة ، ثم لم ينزل فيها كتاب الله ، ولم ينه عنها نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم . فقال رجل برأيه فيها ما شاء »(15) .
قال النووي بشرح أخبار إنكاره : « وهذه الروايات كلّها متّفقة على أنّ مراد عمران أنّ التمتّع بالعمرة إلى الحجّ جائز ، وكذلك القِران ،وفيه التصريح بإنكاره على عمر بن الخطّاب رضي الله عنه منع التمتّع »(16) .
(1) لقد أبهم الرواة ما قاله خليفتهم عثمان لعليّ عليه السلام ، كما أبهموا جواب الإمام عليه السّلام على كلمات عثمان وفي بعض المصادر : « فقال عثمان لعليّ كلمةً » .
(2) مسند أحمد 1/156 مسند علي بن أبي طالب الرقم 758 .
(3) صحيح البخاري 2/569 كتاب الحج باب التمتع والاقران والإفراد بالحج الرقم 1494 وصحيح مسلم 3/68 كتاب الحج باب جواز التمتع ذيل الرقم 1223 ، مسند أحمد 1/220 مسند علي بن ابي طالب الرقم 1150 .
(4) صحيح البخاري 2/567 كتاب الحج باب التمتع والإقران والإفراد الحج الرقم 1488 ، مسند أحمد 1/153 مسند علي بن أبي طالب الرقم 735 .
(5) تصغير « عروة » تحقيراً له .
(6) مسند أحمد 1/554 مسند عبدالله بن عبّاس الرقم 3111 .
(7) سنن الترمذي 2/224 كتاب الحجّ باب ماجاء في التمتع الرقم 824 .
(8) مسند أحمد 1/81 مسند عمر بن الخطاب الرقم 353 .
(9) أي بأمر الخلافة .
(10) أي : اقطعوا ، اتركوا .
(11) صحيح مسلم 3/56 كتاب الحج باب في المتعة بالحج والعمرة الرقم 1217 وذيله .
(12) سنن الترمذي 2/224 كتاب الحج باب ماجاء في التمتع الرقم 825 .
(13) ذكر كلّ من ابن عبدالبرّ في الاستيعاب 3/284 وابن حجر في الإصابة 4/584 أنّه كان من فضلاء الصحابة وفقهائهم ، بل نصّ ابن القيّم في زاد المعاد على كونه أعظم من عثمان ، وذكروا أنّه كان يرى الملائكة وتسلّم عليه وهو ما أشار إليه بقوله : « قد سُلِّم عليَّ » . توفّي سنة 52 بالبصرة .
(14) لاحظ إلى أين بلغت التقيّة !!
(15) صحيح مسلم 3/70ـ71 كتاب الحج باب جواز التمتّع ذيل الرقم 1226 . وفي الباب من صحيح البخاري 2/569 كتاب الحج باب التمتع الرقم 1496 وسنن ابن ماجة 4/454 كتاب المناسك باب التمتع بالعمرة إلى الحج الرقم 2978 ، وهو عند أحمد في المسند 5/159 5/600 حديث عمران بن حصين الرقم 19394 .
(16) المنهاج ـ شرح صحيح مسلم 8/168 .