دفاع ابن تيميّة ثمّ إقراره بالخطأ
وذكر شيخ إسلامهم ابن تيميّة في الدفاع عن عمر وجوهاً ، كقوله : « إنّما كان مراد عمر أن يأمر بما هو أفضل » واستشهد له بما رواه عن ابنه من أنّه « كان عبدالله بن عمر يأمر بالمتعة ، فيقولون له : إنّ أباك نهى عنها . فيقول : إنّ أبي لم يرد ما تقولون » وحاصل كلامه ما صرّح به في آخره حيث قال : « فكان نهيه عن المتعة على وجه الاختيار ، لا على وجه التحريم ، وهو لم يقل : « أنا أُحرّمهما » .
قلت : أمّا أنّ مراده كان الأمر بما هو أفضل ، فتأويل باطل ، وأمّا ما حكاه عن ابن عمر فتحريف لِما ثبت عنه في الكتب المعتبرة ، وقال ابن كثير : « وكان ابنه عبدالله يخالفه فيقال له : إنّ أباك كان ينهى عنها ! فيقول : لقد خشيت أن يقع عليكم حجارة من السماء! قد فعلها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، أفسُنّة رسول الله تتّبع أم سُنّة عمر بن الخطّاب ؟! »(1) .
والعمدة إنكاره قول عمر : « وأنا أُحرمّهما » . وسنذكر جمعاً ممّن رواه !
هذا ، وكأنّ ابن تيميّة يعلم بأن لا فائدة فيما تكلّفه في توجيه تحريم عمر والدفاع عنه ، فاضطرّ إلى أن يقول :
« فأهل السُنّة متّفقون على أنّ كلّ واحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلاّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، أنّ عمر أخطأ في مسألة ، فهم لا ينزّهون عن الإقرار على الخطأ إلاّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم »(2) .
لكنّه ليس « خطأ » من عمر ، بل هو « إحداث » كما جاء في الحديث المتقدّم عن أبي موسى الأشعري وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم :
« أنا فرطكم على الحوض ، وليرفعنّ رجال منكم ثم ليختلجنَّ دوني ، فأقول : يا ربّ أصحابي ! فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ! »(3) .
ولقائل أن يقول : إنّ الغرض الأصلي من التحريم هو إحياء سُنّة الجاهليّة ، فإنّهم « كانوا يرون أنّ العمرة في أشهر الحجّ من أفجر الفجور في الأرض »(4) .
أخرج البيهقي عن ابن عبّاس : « والله ما أعمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عائشة في ذي الحجّة إلاّ ليقطع بذلك أمر أهل الشرك »(5) .
ولذا صحّ عنه صلّى الله عليه وسلّم : « لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت ، ولولا أنّ معي الهدي لأحللت . فقام سراقة بن مالك بن جعشم فقال : يا رسول الله هي لنا أو للأبد ؟ فقال : لا ، بل للأبد » . أخرجه أرباب الصحاح كافّة ، وعقد له البخاري في صحيحه باباً .
(1) تاريخ ابن كثير 5/159 .
(2) منهاج السُنّة 4/182ـ183 .
(3) أخرجه الحفاظ في باب الحوض منهم البخاري في الصحيح 5/2405 كتاب الرقاق باب في الحوض الرقم 6205 .
(4) أخرجه البخاري في الصحيح 2/567 كتاب النكاح باب التمتع والإقران والإفراد بالحج الرقم 1489 ومسلم في الصحيح 3/81ـ82 كتاب الحج باب جواز العمرة في أشهر الحج الرقم 1240 وغيرهما .
(5) سنن البيهقي 4/563 كتاب الحج باب العمرة في أشهر الحج الرقم 8732 .