الحديث عن غير عثمان و عبد الله بن زيد:
ورووا حديث كيفية وضوء النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وأنه غسل رجليه، عن جماعة من الصحابة أيضاً، نشير إلى بعض تلك الروايات إتماماً للفائدة:
فمن ذلك الحديث عن علي عليه السّلام! قال ابن ماجة:
« حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن أبي حيّة قال: رأيت علياً توضّأ فغسل قدميه إلى الكعبين، ثمّ قال: أردت أن أريكم طهور نبيّكم صلّى الله عليه وسلّم »(1).
وهذا هو الحديث الذي تبجّح به شارحه السندي فقال:
« ردّ بليغ على الشيعة القائلين بالمسح على الرجلين، حيث الغسل من رواية علي، ولذلك ذكره المصنف من رواية علي وبدأ به الباب ».
لكنّه ساقط سنداً، فإنّ في سنده ـ بعد الغض عن « أبي الأحوص » الذي أورده الذهبي في ميزانه(2)، وعن « أبي إسحاق » وهو السبيعي، الذي أورده الذهبي كذلك، وذكر أنه شاخ ونسي، ونقل عن بعضهم أنه ما أفسد حديث أهل الكوفة غير أبي إسحاق، وأنه قد تركوه لاختلاطه(3) ـ رجلا مجهولا وهو الرّاوي للحديث وهو « أبو حيّة » المتفرّد به كما نصّ عليه الذهبي، ونصّ على أنه « لا يعرف » وعن ابن المديني وأبي الوليد « مجهول » وعن أبي زرعة « لا يسمّى »(4).
هذا، ولو تنزّلنا فإنَّ الأحاديث المرّوية عن علي عليه السّلام متعارضة.
ومن ذلك الحديث عن أبي هريرة. قال مسلم:
« حدثني أبو كريب محمّد بن العلاء والقاسم بن زكريا بن دينار وعبد الله بن حميد، قالوا: حدثنا خالد بن مخلد، عن سليمان بن بلال، حدثني عمّارة بن غزيّة الأنصاري، عن نعيم بن عبد الله المجمر قال: رأيت أبا هريرة يتوضّأ… ثمّ غسل رجله اليمنى حتى أشرع في الساق، ثمّ غسل رجله اليسرى حتى أشرع في الساق، ثمّ قال: هكذا رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتوضّأ… »(5).
وفي سنده:
« خالد بن مخلد » وقد عرفته.
و« عمارة بن غزية » ذكره ابن حجر فيمن تكلّم فيه(6) وقال بترجمته: ذكره العقيلي في الضعفاء. وقال ابن حزم: ضعيف. وقال عبد الحق: ضعّفه المتأخّرون(7).
وأخرجه بسند له آخر عن نعيم عن أبي هريرة فقال:
« حدثني هارون بن سعيد الايلي، حدثني ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، عن نعيم بن عبد الله، إنّه رأى أبا هريرة يتوضّأ، فغسل وجهه ويديه حتى كاد يبلغ المنكبين، ثمّ غسل رجليه حتى رفع الى الساقين، ثمّ قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: إنّ أُمّتي يأتون يوم القيامة غرّاً محجّلين من أثر الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل »(8).
وهذا الحديث ليس فيه ما يشهد بكون ما فعله أبو هريرة وصفاً لوضوء رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وعلى تقدير ذلك ففي سنده:
« عمرو بن حارث » وقد عرفته.
و« سعيد بن أبي هلال » ذكره ابن حجر فيمن تكلّم فيه(9). وقال وفي ترجمته: ذكره السّاجي في الضعفاء، وعن أحمد بن حنبل: ما أدري أيّ شيء حديثه، يخلط في الأحاديث، وضعّفه ابن حزم(10).
ومن ذلك حديث المقدام بن معد يكرب، قال ابن ماجة:
« حدثنا هشام بن عمّار، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا حريز بن عثمان، عن عبد الرحمان بن ميسرة، عن المقدام بن معد يكرب: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم توضّأ فغسل رجليه ثلاثاً ثلاثاً »(11).
وهو حديث ساقط سنداً:
أمّا « هشام بن عمّار » فهو ممّن تكلّم فيه(12). وذكر بترجمته عن غير واحد أنه كان كلّما لقّن تلقّن، وعن أبي داود: كنت أخشى أن يفتق في الاسلام فتقاً، وعن ابن وارة: عزمت أن أمسك عن حديث هشام لأنه كان يبيع الحديث، وعن أحمد بن حنبل: طيّاش خفيف، وعن مسلمة: تكلّم فيه(13).
وأمّا « الوليد بن مسلم » فقد ذكره ابن حجر فيمن تكلّم فيه كذلك، ونصّ على أنه قد عابوا عليه كثرة التدليس والتسوية(14). وذكر بترجمته عن أحمد: كان رفّاعاً. وعنه أيضاً: كثير الخطأ، وعن ابن معين: سمعت أبا مسهر يقول: كان الوليد ممّن يأخذ عن أبي السفر حديث الأوزاعي، وكان أبو السفر كذّاباً. وقال مؤمل بن أهاب عن أبي مسهر: كان الوليد بن مسلم يحدّث حديث الأوزاعي عن الكذّابين ثمّ يدلّسها عنهم. وقال صالح بن محمّد: سمعت الهيثم بن خارجة يقول للوليد: قد أفسدت حديث الأوزاعي(15).
وأمّا « حريز بن عثمان » فهو المشهور بالنصب والعداء لأميرالمؤمنين عليه السّلام، حتى نقلوا عنه أنه كان يسبّه ويلعنه!! ذكره ابن حجر فيمن تكلّم فيه، فذكر قدح ابن عدي وابن حبان فيه لأجل كونه ناصبياً داعياً إلى مذهبه(16). وقال بترجمته: حكى الأزدي في الضعفاء انّ حريز بن عثمان روى أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم لما أراد أن يركب بغلته جاء علي بن أبي طالب، فحلّ حزام البغلة ليقع النبي صلّى الله عليه وسلّم. قال الأزدي: من كانت هذه حاله لا يروى عنه.
قال ابن حجر: وقال ابن عدي: قال يحيى بن صالح الوحاظي: أملى عليَّ حريز بن عثمان عن عبد الرحمان بن ميسرة عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم حديثاً في تنقيص علي بن أبي طالب لا يصلح ذكره، حديث مفتعل منكر جداً، لا يروي مثله من يتّقي الله. قال الوحاظي: فلمّا حدثني بذلك قمت عنه وتركته.
قال ابن حجر: وقال غنجار: قيل ليحيى بن صالح: لم لم تكتب عن حريز؟ قال: كيف أكتب عن رجل صلّيت معه الفجر سبع سنين، فكان لا يخرج من المسجد حتى يلعن علياً سبعين مرّة(17).
وأمّا « عبد الرحمان بن ميسرة » فقد عرفته بترجمة حريز. وهذا كاف.
(1) سنن ابن ماجة 1/155.
(2) ميزان الاعتدال 2/176.
(3) المصدر 3/270.
(4) المصدر 4/519.
(5) صحيح مسلم ـ بشرح النووي ـ 2/134.
(6) مقدمة فتح الباري /458.
(7) تهذيب التهذيب 7/370.
(8) صحيح مسلم ـ بشرح النووي ـ 2/135.
(9) مقدمة فتح الباري / 404.
(10) تهذيب التهذيب 4/84.
(11) سنن ابن ماجة 1/156.
(12) مقدمة فتح الباري /448.
(13) تهذيب التهذيب 11/47.
(14) مقدمة فتح الباري / 450.
(15) تهذيب التهذيب 11/133 وانظر ميزان الاعتدال 4/347.
(16) مقدمة فتح الباري /393.
(17) تهذيب التهذيب 2/207.