الحديث عن غير عبدالله بن عمرو:
ورووا عن جماعة من الصحابة قول النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: « ويل للأعقاب من النار » أو « ويل للعراقيب من النار » لكن بلا ذكر للقضية… وإذ قد عرفنا الأصل لكلامه صلّى الله عليه وآله وسلّم هذا ـ على فرض صدوره ـ لم يكن حاجة إلى ذكر تلك الأحاديث، والتكلّم عليها…
فمن ذلك الحديث عن عائشة، حيث إنّها خاطبت أخاها عبد الرحمان بما قاله النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم… وقد أخرجه مسلم غير مرّة، كما ذكرنا من قبل.
وجميع أسانيد القصّة ترجع إلى رجل من الموالي لكن بأسماء مختلفة:
فمسلم ذكره تارة باسم « سالم مولى شدّاد » وأخرى باسم « أبو عبد الله مولى شدّاد بن الهاد » وثالثة باسم « سالم مولى المهري » ورابعة باسم « سالم مولى شداد بن الهاد ».
وأحمد ذكره باسم « سالم سبلان ».
وابن ماجة أسقطه من السند.
قال أحمد:
« ثنا حسين قال: أنا ابن أبي ذئب، عن عمران بن بشير، عن سالم سبلان قال: خرجنا مع عائشة إلى مكة. قال: وكانت تخرج بأبي يحيى التيمي يصلّي بها. قال: فأدركنا عبد الرحمان بن أبي بكر الصديق، فأساء عبد الرحمان الوضوء، فقالت عائشة: يا عبد الرحمان أسبغ الوضوء، فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ويل للأعقاب يوم القيامة من النار »(1).
وفي سنده:
« عمران بن بشير » وهو كما قال ابن حجر بترجمة « سالم سبلان »: « عمران بن بشير بن محرز ». وهذا الرجل ليس من رجال الكتب الستّة، وانّما ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل بلا جرح ولا تعديل، قال:
« عمران بن بشير بن محرز، روى عن أبيه. روى عنه ابن أبي ذئب. سمعت أبي يقول ذلك »(2).
ثمّ ما معنى أنه أساء الوضوء؟
إن كان قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ على فرض ثبوته ـ دالا على وجوب غسل الرجلين، فهذا الحديث يفيد أنّ عبد الرحمان كان يمسح رجليه في الوضوء ولا يغسلهما! وإن كان دالا على وجوب المسح، فقد عمل عبد الرحمان بقول النبيّ وعمل بظاهر الآية المباركة، لكن عائشة من الناس الذين « أبوا الاّ الغسل » كما قال ابن عباس!
وأخرجه ابن ماجة فقال:
« حدثنا محمّد بن الصباح، ثنا عبد الله بن رجاء المكي، عن ابن عجلان ح، وحدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة، ثنا يحيى بن سعيد وأبو خالد الأحمر، عن محمّد بن عجلان، عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي سلمة قال:
رأت عائشة عبد الرحمان ـ وهو يتوضّأ ـ فقالت: أسبغ الوضوء، فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ويل للعراقيب من النار »(3).
وفي سنده:
أوّلا: إنّه مرسل، فإنّ « أبا سلمة » هذا هو: « أبو سلمة بن عبد الرحمان » وهو الراوي للحديث ـ في احدى روايات مسلم(4) ـ عن « سالم مولى المهري ». فإن كان المروي عنه هنا هو « سالم » كذلك، فلماذا أسقطه ابن ماجة؟ وإن كان غيره فمن هو؟
وثانياً: مدار هذا الحديث على « محمّد بن عجلان » وهو ممّن أخرج له مسلم في المتابعات ولم يحتج به(5). ولم يخرج عنه البخاري إلاّ في المعلّقات، وقد تكلّم في ذلك. قال ابن حجر فيمن تكلّم فيه: « فيه مقال من قبل حفظه »(6).
قلت: لا من قبل ذلك فحسب، فقد أورده الذهبي في ميزانه(7). وذكر بعض الكلام فيه، حتى نقل عن مالك أنه قيل له: إنّ ناساً من أهل العلم يحدّثون. قال: من هم؟ فقيل له: ابن عجلان. فقال: لم يكن ابن عجلان يعرف هذه الأشياء، ولم يكن عالماً.
وذكر الذهبي أنّ البخاري أورده في الضعفاء.
وذكر أنه: مكث في بطن أُمّه ثلاث سنين، فشقّ بطنها لما ماتت، فأخرج وقد نبتت أسنانه!!
ومن ذلك الحديث عن جابر بن عبد الله، قال ابن ماجة:
« حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا الأحوص، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن أبي كريب، عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ويل للعراقيب من النار »(8).
وفي سنده:
« أبو إسحاق » وهو السبيعي، قالوا: « كان يدلّس »، و« اختلط بآخره » كما سيجيء أيضاً.
ومن ذلك الحديث عن أبي هريرة. قال ابن ماجة:
« حدثنا محمّد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، ثنا عبد العزيز ابن المختار، ثنا سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ويلٌ للأعقاب من النار »(9).
وقد عرفت « سهيلا » عند الكلام على سند الترمذي.
وقد كان الراوي عنه هناك: « عبد العزيز بن محمّد » وقد عرفته كذلك لكنّه هنا « عبد العزيز بن المختار » وقد ذكره ابن حجر فيمن تكلّم فيه من رجال صحيح البخاري!(10)، وكذا الذهبي في ميزانه، فنقل عن يحيى بن معين فيه قوله « ليس بشيء » وقال: « ما عرفت سببه! »(11).
ومن ذلك الحديث عن معيقيب، قال أحمد:
« ثنا خلف بن الوليد، ثنا أيوب بن عتبة، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن معيقيب، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ويل للأعقاب من النار »(12).
وفي سنده:
« أيوب بن عتبة »:
عن أحمد: ضعيف. وعنه: ثقة الاّ أنّه لا يقيم حديث يحيى بن أبي كثير(13) وعن ابن معين: قال أبو كامل: ليس بشيء. وعنه أيضاً: ليس بالقوي، ومرة: ليس بشيء. وعن غير واحد عن يحيى: ضعيف. وقال ابن المديني والجوزجاني وابن عمّار وعمرو بن علي ومسلم: ضعيف. زاد عمرو: وكان سيىء الحفظ. وعن البخاري هو عندهم ليّن. وعن أبي زرعة: حديثه عن أهل العراق ضعيف. وعن النسائي: مضطرب الحديث. وفي موضع آخر: ضعيف. والدار قطني: يترك. وعن أحمد: مضطرب الحديث عن يحيى(14) وفي غير يحيى. وقال أبو زرعة الدمشقي: رأيت أحمد يضعّف حديثه عن يحيى(15) وقال الآجري عن أبي داود: منكر الحديث. وقال الحاكم أبو أحمد: ليس بالمتين عندهم. وقال ابن خراش: ضعيف الحديث جداً. وقال الترمذي عن البخاري: ضعيف جداً لا أُحدّث عنه(16).
ومن ذلك الحديث عن عبد الله بن الحرث الزبيدي. قال أحمد:
« ثنا حسن، ثنا ابن لهيعة، ثنا حيوة بن شريح، عن عقبة بن مسلم قال: سمعت عبدالله بن الحرث بن جزء الزبيدي قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار »(17).
وفي سنده:
« ابن لهيعة » وهو عبد الله بن لهيعة:
قال البخاري عن الحميدي: كان يحيى بن سعيد لا يراه شيئاً. وقال ابن المديني عن ابن مهدي: لا أحمل عنه قليلا ولا كثيراً. وقال يعقوب بن سفيان عن سعيد بن أبي مريم: كان حيوة بن شريح أوصى بكتبه إلى وصيّ لا يتّقي الله(18). وقال عبد الكريم بن عبد الرحمان النسائي عن أبيه: ليس بثقة. وقال ابن معين: كان ضعيفاً لا يحتج بحديثه. وقال الجوزجاني: لا يوقف على حديثه، ولا ينبغي أن يحتج به ولا يغتر بروايته. وقال ابن سعد: كان ضعيفاً. وقال الحاكم أبو أحمد: ذاهب الحديث. وقال ابن حبّان: سبرت أخباره فرأيته يدلّس عن أقوام ضعفاء عن أقوام ثقات.
إلى غير ذلك من كلماتهم(19).
(1) مسند أحمد 6/112، 258.
(2) الجرح والتعديل 6/294.
(3) سنن ابن ماجة 1/154.
(4) صحيح مسلم ـ بشرح النووي ـ 2/128.
(5) تهذيب التهذيب 9/304.
(6) مقدمة فتح الباري /459.
(7) ميزان الاعتدال 3/644.
(8) سنن ابن ماجة 1/155.
(9) المصدر 1/154.
(10) مقدمة فتح الباري /419.
(11) ميزان الاعتدال 2/634.
(12) مسند أحمد 3/426.
(13) وهذا منه!
(14) وهذا منه!
(15) وهذا منه!
(16) تهذيب التهذيب 10/357.
(17) مسند أحمد 4/191.
(18) وهذا الحديث عن حيوة بن شريح.
(19) تهذيب التهذيب 5/327 وغيره.