الحديث عن عثمان:
والمشهور بروايته عنه هو مولاه « حمران ». قال البخاري:
« حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي قال: حدثني إبراهيم ابن سعد، عن ابن شهاب: أنّ عطاء بن يزيد أخبره أنّ حمران مولى عثمان أخبره: أنه رأى عثمان بن عفّان دعا باناء فأفرغ على كفّيه ثلاث مرّات، فغسلهما، ثمّ أدخل يمينه في الإناء فمضمض واستنشق ثمّ غسل وجهه ثلاثاً، ويديه إلى المرفقين ثلاث مرار، ثم مسح برأسه، ثمّ غسل رجليه ثلاث مرار إلى الكعبين. ثمّ قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من توضّأ نحو وضوئي هذا ثمّ صلّى ركعتين لا يحدّث فيهما نفسه، غفر له ما تقدم من ذنبه… »(1).
وأخرجه مسلم بنفس السند مع اختلاف في اللفظ، إذ فيه التصريح بكون ما فعله هو وضوء رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وليس في لفظ البخاري تصريح بذلك. قال مسلم:
« حدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن سرح، وحرملة بن يحيى التجيبي قالا: أخبرنا ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب أن عطاء بن يزيد الليثي أخبره: أنّ حمران مولى عثمان أخبره: أن عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ دعا بوضوء، فتوضّأ فغسل كفّيه ثلاث مرات… ثم قال:
رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم توضّأ نحو وضوئي هذا… ».
قال مسلم:
« وحدثني زهير بن حرب، حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا أبي، عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي، عن حمران… ».
قال مسلم:
« حدثنا قتيبة بن سعيد وأحمد بن عبدة الضبّي قالا: حدثنا عبد العزيز ـ وهو الدراوردي ـ عن زيد بن أسلم، عن حمران مولى عثمان، قال: أتيت عثمان بن عفان بوضوء فتوضّأ ثم قال: إنّ ناساً يتحدّثون عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحاديث لا أدري ما هي! ألا إنّي رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم توضّأ مثل وضوئي. ثمّ قال: من توضّأ هكذا غفر له… »(2).
النظر في سند الحديث:
أمّا سند البخاري ففيه:
« عبد العزيز بن عبد الله » وقد ذكره ابن حجر فيمن تكلّم فيه(3). وأخرجه الذهبي في المغني في الضعفاء. وفي ميزانه. قال في الميزان: « وثقه أبو داود، وروى عن رجل عنه. ثم وجدت أنّي أخرجته في المغني وقلت: قال أبو داود: ضعيف. ثمّ وجدت في سؤالات أبي عبيد الله الآجري لأبي داود: عبد العزيز الأويسي ضعيف »(4).
وفيه: « إبراهيم بن سعد ». وقد ذكره ابن حجر فيمن تكلّم فيه كذلك(5) وذكره ابن عدي في الكامل في الضعفاء وحكى عن عبد الله ابن أحمد: « سمعت أبي يقول: ذكر عند يحيى بن سعيد: عقيل وإبراهيم بن سعد، فجعل كأنه يضعّفهما » وذكر ابن حجر عن الخطيب: أن إبراهيم كان يجيز الغناء بالعود. وقال ابن حجر: قال صالح جزرة: حديثه عن الزهري ليس بذاك(6) لأنه كان صغيراً حين سمع من الزهري(7).
وفيه: « ابن شهاب » وهو الزهري. وكان شرطيّاً لبني اُميّة ومن أشهر المنحرفين عن علي أمير المؤمنين عليه السّلام، ممّا لا حاجة إلى شرحه.
وفيه: « حمران » مولى عثمان. وقد قلنا: إنّ جميع أسانيد الحديث تنتهي إليه… وهذا الرجل ذكر ابن حجر بترجمته عن ابن سعد: كان كثير الحديث ولم أرهم يحتجّون بحديثه. وحكى قتادة: أنه كان يصلّي مع عثمان فإذا أخطأ فتح عليه. وحكى الليث بن سعد: إنّ عثمان أسرّ اليه سرّاً فأخبر به عبد الرحمان بن عوف فاستأمن له عبد الرحمان عثمان، وأخبره بما أخبر به، فغضب عليه عثمان ونفاه »(8). وقال الذهبي: « ذكره ابن سعد في الطبقات فقال: لم أرهم يحتجون به. وقد أورده البخاري في الضعفاء، لكن ما قال ما بليّته قط »(9).
قلت: فالحديث ضعيف عند البخاري نفسه!
هذا بالنسبة إلى سند الحديث عند البخاري.
وأما مسلم، فأسانيده كلّها تنتهي، الى « حمران » وفي طريقين منها « ابن شهاب الزهري ». وفي الثالث: « الدراوردي » وقد عرفته. « عن زيد بن أسلم » وهو مولى عمر. فمولى عمر يروي عن مولى عثمان! وهذا الرجل أورده الذهبي في ميزانه قال: « تناكد ابن عدي بذكره في الكامل ـ فإنه ثقة حجة ـ فروى عن حماد بن زيد قال: قدمت المدينة وهم يتكلّمون في زيد بن أسلم، فقال لي عبيد الله بن عمر: ما نعلم به بأساً الاّ أنّه يفسّر القرآن برأيه »(10).
قلت: إذا كان يفسّر القرآن برأيه، فهو ممّن يتبوّأ مقعده من النار كما في الأحاديث المتفق عليها، فكيف لا يكون به بأس؟ وكيف يكون ثقة حجة؟ وكيف يقال لمن ضعّفه أنّه تناكد؟!
هذا، وقد ذكر ابن حجر عن ابن عبد البر أنه كان يدلّس(11).
هذا كلّه بالنسبة إلى السند. ولو تنزلنا، فإنَّ أحاديث وضوء عثمان متعارضة، كما سنشير فيما بعد.
(1) صحيح البخاري ـ بشرح ابن حجر 1/208.
(2) صحيح مسلم ـ بشرح النووي ـ 2/105، 113.
(3) مقدمة فتح الباري /419.
(4) ميزان الاعتدال 2/630.
(5) مقدمة فتح الباري /385.
(6) وهذا من ذاك!
(7) تهذيب التهذيب 1/105، ميزان الاعتدال 1/33.
(8) تهذيب التهذيب 3/21.
(9) ميزان الاعتدال 1/604.
(10) المصدر نفسه 2/98.
(11) تهذيب التهذيب 3/342.