الحديث عن عبد الله بن زيد:
وأخرج مسلم حديث غسل الرجلين عن عبد الله بن زيد بن عاصم قائلا:
« حدثني محمّد بن الصباح، حدثنا خالد بن عبد الله، عن عمرو بن يحيى بن عمارة، عن أبيه، عن عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري ـ وكانت له صحبة ـ قال: قيل له: توضّأ لنا وضوء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فدعا بإناء فأكفأ منها على يديه فغسلهما ثلاثاً… ثمّ غسل رجليه إلى الكعبين. ثمّ قال: هكذا وضوء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وحدثني القاسم بن زكريا، حدثنا خالد بن مخلد، عن سليمان ـ هو ابن بلال ـ عن عمرو بن يحيى. بهذا الاسناد نحوه. ولم يذكر الكعبين ».
قال: « حدثنا هارون بن معروف. ح وحدثني هارون بن سعيد الأيلي وأبو الطاهر، قالوا: حدثنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث: أنّ حبان بن واسع حدّثه أنّ أباه حدّثه أنه سمع عبد الله بن زيد بن عاصم المازني يذكر أنه رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم توضّأ… »(1).
النظر في سند الحديث:
أقول: لا شيء من هذه الأسانيد بصحيح:
فإنّ « عمرو بن يحيى بن عمارة » قال ابن معين: ليس بالقوي(2) وذكره ابن حجر فيمن تكلّم فيه(3). وأورده الذهبي في ميزانه لأجل كلام ابن معين(4).
و« خالد بن عبد الله » ضعّفه ابن عبد البر(5).
و« عمرو بن الحارث » قال أبو داود عن أحمد ـ وهو يتكلّم عن المصريّين: « ليس فيهم مثل الليث، لا عمرو ولا غيره، وقد كان عمرو عندي…(6) ثمّ رأيت له مناكير. وقال في موضع آخر: يروي عن قتادة أشياء يضطرب فيها ويخطىء »(7) وذكره الذهبي وأضاف: « وقال الأثرم أيضاً عن أبي عبد الله: انّه حمل على عمرو بن الحارث حملا شديداً »(8).
و« خالد بن مخلد » ذكره ابن حجر فيمن تكلّم فيه(9). وعن أحمد: له أحاديث مناكير، وعن ابن سعد: كان متشيّعاً منكر الحديث، وعن أبي أحمد: لا يحتج به، وذكره الساجي والعقيلي في الضعفاء، وعن أبي حاتم: له أحاديث مناكير، وقال الجوزجاني: كان شتّاماً معلناً لسوء مذهبه(10).
وقد أورده الذهبي في ميزانه وذكر هذه الكلمات وغيرها، ثمّ نقل حديثاً أخرجه البخاري عن طريقه فقال: « فهذا حديث غريب جداً، لولا هيبة الجامع الصحيح لعدّوه في منكرات خالد بن مخلد… »(11).
ثمّ إنّ لفظ الحديث أخيراً: « أنه سمع عبد الله بن زيد بن عاصم… » ببناء « سمع » للمفعول، فمن السامع؟
هذا، ولا يخفى أنّ حديث عبد الله بن زيد ينتهي ـ في غالب طرقه إلى: « عمرو بن يحيى عن أبيه » بل إنّ الأحاديث التي أخرجها البخاري في الباب 135 والباب 136 من أبواب الوضوء هي كلّها كذلك، فراجعه إن شئت.
ثمّ إنّ أباه ـ وهو: يحيى بن عمارة بن أبي حسن(12) ـ يروي الحديث عند البخاري تارة عن « عبد الله بن زيد » بلا واسطة، كما في الحديث رقم 158، 191، وأخرى بواسطة، فتارة الواسطة « رجل » فيقول: «… عن أبيه أنّ رجلا قال لعبد الله بن زيد ـ وهو جدّ عمرو بن يحيى… » كما في الحديث رقم 180 وأُخرى يقول: «… عن أبيه: شهدت عمرو بن أبي حسن سأل عبد الله بن زيد عن… » وثالثة يقول: «… عن أبيه قال: كان عمّي يكثر من الوضوء، قال لعبد الله بن زيد… » كما في الحديث 193.
وهذا ما ربما يورث الشك في أصل الحديث، ولذا فقد وقع الشراح والرجاليون في اختلاف واضطراب شديدين. فلاحظ.
هذا كلّه بالنسبة إلى سند الحديث. ولو تنزلنا فإنَّ حديث عبد الله بن زيد معارض، كما تقدم وسنشير فيما بعد.
(1) صحيح مسلم ـ بشرح النووي ـ 2/121.
(2) تهذيب التهذيب 8/105.
(3) مقدمة فتح الباري /432.
(4) ميزان الاعتدال 3/293.
(5) تهذيب التهذيب 3/87.
(6) هكذا نقاط في تهذيب التهذيب! وكذلك في ميزان الاعتدال 3/252.
(7) تهذيب التهذيب 8/14.
(8) ميزان الاعتدال 3/252.
(9) مقدمة فتح الباري /398.
(10) تهذيب التهذيب 3/101.
(11) ميزان الاعتدال 1/640.
(12) تهذيب التهذيب 8/104.