أخبار المسح في كتب السنّة:
أما في كتب السنّة…. فالأخبار المروية في كتبهم وبشتّى أسانيدهم عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، والآثار المنقولة عن كبار الصحابة… كثيرة جداً، وقد أخرجت في الكتب المعتبرة، كما قد نصّ على صحّتها كبار علمائهم. ولنذكر طائفة منها:
1 ـ قال أبو جعفر الطحاوي: « حدثنا أبو أميّة قال: ثنا محمّد بن الاصبهاني قال: أنا شريك، عن السدّي، عن عبد خير، عن علي رضي الله عنه توضأ فمسح على ظهر القدم وقال: لو لا أني رأيت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فعله لكان باطن القدم أحق من ظاهره »(1).
2 ـ وقال المتّقي: « عن علي قال: كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يتوضّأ ثلاثاً ثلاثاً الاّ المسح مرةً مرةً (ش) »(2).
3 ـ وقال عن مسند علي: « بينما نحن جلوس مع علي في المسجد، جاء رجل إلى علي وقال: أرني وضوء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فدعا قنبر فقال: ائتني بكوز من ماء، فغسل يديه ووجهه ثلاثاً، فأدخل بعض أصابعه في فيه واستنشق ثلاثاً، وغسل ذراعيه ثلاثاً، ومسح رأسه واحدة ـ ثم قال: يعني الأذنين خارجهما وباطنهما من الوجه ـ ورجليه إلى الكعبين، ولحيته تهطل على صدره، ثمّ حسا حسوة بعد الوضوء ثم قال: أين السائل عن وضوء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ كذا كان وضوء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. عبد بن حميد »(3).
4 ـ قال: « أيضاً عن عبد الرحمان قال: رأيت علياً توضّأ فغسل وجهه ثلاثاً وغسل ذراعيه ومسح برأسه واحدة ثمّ قال: هكذا توضّأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. د، ص »(4).
وهذا كسابقه الاّ أنّ الراوي حذف مسح الرجل.
5 ـ قال: « عن علي قال: لو كان الدين بالرأي لكان باطن القدمين أحق بالمسح من ظاهرهما، ولكن رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مسح على ظاهرهما، عب، ش، د »(5).
6 ـ روى الجصّاص عن شعبة عن عبد الملك بن ميسرة عن النزال بن سبرة: « إنّ علياً صلّى الظهر ثمّ قعد في الرحبة، فلمّا حضرت صلاة العصر دعا بكوز من ماء فغسل يديه ووجهه وذراعيه، ومسح برأسه ورجليه، وقال: هكذا رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فعل »(6).
7 ـ قال السيوطي: « أخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن ماجة عن ابن عباس قال: أبى الناس الاّ الغسل، ولا أجد في كتاب الله الاّ المسح »(7).
وأخرجه ابن ماجة في حديث أنه قال ذلك منكراً على الربيع، عندما ادّعت أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم توضّأ عندها فغسل رجليه(8).
8 ـ قال العيني: « حديث عمر ـ رضي الله عنه ـ أخرجه ابن شاهين في كتاب الناسخ والمنسوخ »(9).
9 ـ قال: « حديث جابر بن عبد الله، أخرجه الطبراني في الأوسط »(10).
10 ـ قال ابن ماجة: « حدثنا محمّد بن يحيى، ثنا حجّاج، ثنا همام، ثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، حدثني عليّ بن يحيى بن خلاّد، عن أبيه، عن عمّه رفاعة بن رافع: أنّه كان جالساً عند النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنّها لا تتم صلاة لأحد حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله تعالى: يغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين »(11).
وقال الطحاوي: « حدثنا محمّد بن خزيمة: ثنا حجاج بن المنهال قال: ثنا همام بن يحيى قال: أنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة قال: ثنا علي بن يحيى بن خلاّد، عن أبيه، عن عمّه رفاعة بن رافع أنّه كان جالساً… »(12).
وقال السيوطي: « أخرج البيهقي في سننه عن رفاعة بن رافع أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال للمسيىء صلاته: إنّها لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله، يغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين »(13).
وحديث رفاعة من الأحاديث المشهورة المعتبرة، فقد أخرجه بالاضافة إلى من ذكرنا كلّ من أبي داود 1/86 والنسائي 1/161 والحاكم 1/241، وقد نص الحاكم على أنّه صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي في تلخيصه. وقال العيني: « حسّنه أبو علي الطوسي وأبو عيسى الترمذي وأبو بكر البزار، وصحّحه الحافظ ابن حبان وابن حزم »(14).
11 ـ قال الطحاوي: « ثنا ابن أبي داود قال: حدثنا أحمد بن الحسين اللهبي قال: ثنا ابن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب، عن نافع، عن ابن عمر: أنه كان إذا توضّأ ونعلاه في قدميه، مسح ظهور قدميه بيديه ويقول: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصنع هكذا »(15).
12 ـ وقال المتقي: « حدثنا هشيم: أنا يعلى بن عطاء عن أبيه قال: أخبرني أوس بن أبي أوس الثقفي أنه رأى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أتى كظامة قوم بالطائف، فتوضّأ ومسح على قدميه »(16).
13 ـ وقال الطحاوي: « حدثنا روح بن الفرج قال: ثنا عمرو بن خالد قال: ثنا ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عباد بن تميم، عن عمّه: أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم توضّأ ومسح على القدمين. وأنّ عروة كان يفعل ذلك »(17).
وهذا الحديث قد نصّ ابن عبد البر على صحّته(18).
14 ـ وقال ابن حجر: « روى البخاري في تاريخه، وأحمد، وابن أبي شيبة، وابن أبي عمر، والبغوي، والباوردي وغيرهم: كلّهم من طريق أبي الأسود عن عباد بن تميم المازني عن أبيه قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتوضّأ ويمسح الماء على رجليه.
رجاله ثقات »(19).
وقال ابن الأثير: « أخبرنا يحيى بن محمود بن سعد الثقفي إجازة باسناده إلى ابن أبي عاصم، أخبرنا ابن أبي شيبة وأبو بشر بكر ابن خلف قالا: حدثنا عبد الله بن زيد، أخبرنا سعيد بن أبي أيوب، أخبرنا أبو الأسود، أخبرنا عباد بن تميم، عن أبيه قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم توضّأ ومسح الماء على رجليه »(20).
15 ـ وقال المتّقي: « عن حمران قال: رأيت عثمان دعا بماء فغسل كفيه ثلاثاً ومضمض واستنشق، وغسل وجهه ثلاثاً وذراعيه ثلاثاً ومسح برأسه وظهر قدميه، ثمّ ضحك، فقال: ألا تسألوني ما أضحكني؟ قلنا: ما أضحكك يا أميرالمؤمنين؟ قال: أضحكني أنّ العبد إذا غسل وجهه حطّ الله عنه بكل خطيئة أصابها بوجهه، فإذا غسل ذراعيه كان كذلك، وإذا مسح رأسه كان كذلك، وإذا طهّر قدميه كان كذلك. حم والبزار حل ع وصحّح »(21).
16 ـ قال: « من مسند عبد الله بن زيد المازني: أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم توضّأ فغسل وجهه ثلاثاً ويديه مرتين ومسح رأسه ورجليه مرّتين. ش »(22).
والاستدلال بأنّه مسح رجليه. وقوله: « مرّتين » مؤول أو غلط.
ورواه العيني عن ابن أبي شيبة أيضاً بإسناده عن عبد الله بن زيد ولفظه: « إنّ النبيّ توضّأ ومسح بالماء على رجليه » قال: « ورواه ابن خزيمة في صحيحه »(23).
17 ـ وقال ابن الأثير بترجمة أبي جبير الحضرمي: « روى حديثه عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه: أنّ أبا جبير قدم على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم مع ابنته التي كان تزوّجها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فدعا رسول الله بوضوء فغسل يديه فأنقاهما ثمّ مضمض فاه واستنشق بماء، ثمّ غسل وجهه ويديه إلى المرفقين ثلاثاً، ثمّ مسح رأسه ورجليه »(24).
18 ـ قال العيني: « حديث رجل من قريش، رواه أبو مسلم الكجي في سننه عن حجاج، حدثنا حماد عن أبي جعفر الخطمي عمير بن يزيد، عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن رجل من قريش، قال: تبعت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بقدح فيه ماء، فلمّا قضى حاجته توضّأ وضوءه للصلاة قال فيه: ثمّ مسح على قدمه اليمنى ثم قبض أخرى فمسح قدمه اليسرى »(25).
قال ابن كثير: « وقد روي عن طائفة من السّلف ما يوهم القول بالمسح » قال:
19 ـ قال ابن جرير: حدثنا أبو كريب، حدثنا محمّد بن قيس الخراساني، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: الوضوء غسلتان ومسحتان.
وكذا روى سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
20 ـ وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو معمر المنقري، حدثنا عبد الوهاب، حدثنا علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس: (وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ)قال: هو المسح. ثمّ قال:
وروي عن ابن عمر، وعلقمة، وأبي جعفر محمّد بن علي، والحسن ـ في احدى الروايات ـ وجابر بن زيد، ومجاهد ـ في احدى الروايات ـ نحوه.
21 ـ وقال ابن جرير: حدثنا يعقوب، حدثنا ابن علية، حدثنا أيوب، قال: رأيت عكرمة يمسح على رجليه. قال: وكان يقوله.
22 ـ وقال ابن جرير: حدثني أبو السائب، حدثنا ابن ادريس، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي قال: نزل جبرئيل بالمسح. ثم قال الشعبي: ألا ترى أنّ التيمم أن يمسح ما كان غسلا ويلغي ما كان مسحاً.
وحدثنا ابن أبي زياد، حدثنا يزيد: أخبرنا اسماعيل: قلت لعامر: إنّ ناساً يقولون: إنّ جبرئيل نزل بغسل الرجلين. فقال: نزل جبرئيل بالمسح.
23 ـ فقال ابن جرير: حدثني يعقوب بن إبراهيم، حدثنا ابن علية، حدثنا حميد، قال: قال موسى بن أنس ـ ونحن عنده ـ: يا أبا حمزة، إنّ الحجاج خطبنا بالأهواز ونحن معه، فذكر الطهور فقال: اغسلوا وجوهكم وأيديكم وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم، وإنّه ليس شيء من ابن آدم أقرب من خبثه من قدميه، فاغسلوا بطونهما وظهورهما وعراقيبهما. فقال أنس: كذب الحجاج. قال الله تعالى: (وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ) قال: وكان أنس إذا مسح قدميه بلّهما.
إسناد صحيح إليه(26).
أقول:
فهذه أخبار وآثار عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وصحابته في وجوب مسح الرجلين في الوضوء.
وقد ذهب إلى المسح ـ استناداً إلى الآية الكريمة والأحاديث الحاكية لوضوء النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وجماعة من الصحابة ـ غير واحد من التابعين وأئمّة المشهورين.
وقد اعترف ابن العربي وابن حجر وابن كثير بذهاب جماعة من الصحابة والتابعين والسلف إلى المسح(27). وقال ابن رشد: ذهب إليه قوم(28).
وقد نسب هذا القول في غير واحد من الكتب إلى: علي، وابن عباس، وأنس بن مالك من الصحابة، وإلى عكرمة، والشعبي، وقتادة.
ونسبه الشيخ أبو جعفر الطوسي إلى أبي العالية أيضاً(29).
ونسب القول بردّ وجوب الغسل على التعيين إلى محمّد بن جرير الطبري، أحد أئمة أهل السنة المشهورين… في عدة من الكتب في العلوم المختلفه، أمثال (أحكام القرآن) و(المجموع شرح المهذّب) و(المغني في فقه الحنفيّة) وتفاسير: (الشوكاني) و(القرطبي) و(ابن كثير) و(الرازي) و(البغوي).
تنبيه:
ويمكن الاستدلال للمسح بالأخبار التي رووها عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أو الصحابة ـ بناء على صحتها كما قالوا ـ في المسح على الخفين، على اختلاف ألفاظها، ففي بعضها: مسح على خفّيه، وفي آخر: على نعليه، وفي ثالث: على قدميه ونعليه… ويؤيّد ذلك ما في بعض أخبار الإمامية من جواز المسح على الرجلين وهما في النعلين إذا كانت مخرّقة، بل هذا ظاهر الحديث المتقدم عن نافع عن ابن عمر، فلاحظ. بل من الجائز حمل جميع هذه الأخبار على تلك الصورة.
وقد صرّح بجواز هذا الاستدلال بعض المفسّرين كما ستعرف.
(1) شرح معاني الآثار 1/35، وهو في مسند أحمد في مواضع عديدة وبأسانيد مختلفة فراجع الجزء الأول منه في الصفحات 95، 114، 124.
(2) كنز العمال 9/444 الرقم 26893.
(3) كنز العمال 9/448 رقم 26908.
(4) المصدر نفسه 9/448 رقم 26906.
(5) المصدر نفسه 9/605 رقم 27609.
(6) أحكام القرآن 1/347.
(7) الدر المنثور 2/262.
(8) سنن ابن ماجة 1/156.
(9) عمدة القاري 2/240.
(10) عمدة القاري 2/240.
(11) سنن ابن ماجة 1/156.
(12) شرح معاني الآثار 1/35.
(13) الدر المنثور 2/262.
(14) عمدة القاري 2/240.
(15) شرح معاني الآثار 1/35.
(16) كنز العمال 9/476.
(17) شرح معاني الآثار 1/35.
(18) الاستيعاب في معرفة الأصحاب ـ ترجمة تميم بن زيد 1/195.
(19) الاصابة في معرفة الصحابة 1/185.
(20) أسد الغابة 1/217.
(21) كنز العمال 9/442 رقم 26886.
(22) المصدر نفسه 9/451 رقم 26922.
(23) عمدة القاري 2/240.
(24) أسد الغابة 5/156.
(25) عمدة القارى 2/240.
(26) تفسير القرآن العظيم 2/25، ولاحظ الدر المنثور 2/262 حيث أورد الآثار عن ابن عباس وعكرمة والشعبي وغيرهم برواية جماعة من الأئمة، وابن جرير الطبري واحد منهم.
(27) أحكام القرآن 2/72، فتح الباري 1/215، تفسير ابن كثير 2/25.
(28) بداية المجتهد 1/15.
(29) كتاب الخلاف 1/15.