أخبار الغسل في كتب السنّة:
وإنّ المتتبع لكتب القائلين بالغسل يجد أنّ أهمَّ ما يستدلّون به لما ذهبوا إليه هو:
1 ـ الأحاديث المشتملة على قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: « ويل للأعقاب من النار » أو: « ويل للعراقيب من النار ».
2 ـ الأحاديث الحاكية لوضوئه صلّى الله عليه وآله وسلّم:
ففي كتاب (أحكام القرآن) بعد ذكر القراءتين: « لكن تعضد حالة النصب على حالة الخفض بأنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم غسل وما مسح قط، وبأنّه رأى فوما تلوح أعقابهم فقال: (ويل للأعقاب من النار) و(ويل للعراقيب من النار) فتوعد بالنار على ترك إيعابه غسل الرجلين. فدلّ ذلك على الوجوب بلا خلاف، وتبيّن أنّ من قال من الصحابة: إنّ الرجلين ممسوحتان، لم يعلم بوعيد النبيّ على ترك إيعابهما »(1).
وفي (فتح الباري) بشرحه: « قال ابن خزيمة: لو كان الماسح مؤدّياً للفرض لما توعد بالنار » قال ابن حجر: « أشار بذلك إلى ما في كتب الخلاف عن الشيعة أنّ الواجب المسح أخذاً بظاهر قراءة (وَأَرْجُلَكُمْ) بالخفض »(2).
وفي (تفسير القرطبي) بعد الكلام على القراءتين: « قلت: والقاطع في الباب من أن فرض الرجلين الغسل: ما قدمناه وما ثبت من قوله عليه الصلاة والسلام: ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار، فخوفنا بذكر النار على مخالفة مراد الله عزّوجل. ومعلوم أن النار لا يعذب بها الاّ من ترك الواجب، ومعلوم أن المسح ليس شأنه الاستيعاب، ولا خلاف بين القائلين بالمسح على الرجلين أن ذلك على ظهورهما لا على بطونهما. فتبيّن بهذا الحديث بطلان قول من قال بالمسح، اذ لا مدخل لمسح بطونهما عندهم، وانما ذلك يدرك بالغسل لا بالمسح »(3).
وفي (المبسوط) بعد ذكر الاستدلال بالآية على المسح: « ولنا: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم واظب على غسل الرجلين، وبأمر من علمه الوضوء، ورأى رجلا يلوح عقبه فقال: ويل… »(4).
وفي (معالم التنزيل) بعد الكلام على الآية: « والدليل على وجوب غسل الرجلين: ما أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمّد بن العباس الحميدي الخطيب، أنا أبو عبد الله الحافظ، أنا أبو عبد الله محمّد بن يعقوب، أنا يحيى بن محمّد بن يحيى، أنا الحجّي ومسدّد قالا: أخبرنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن يوسف بن ماهك، عن عبدالله بن عمرو قال: تخلّف عنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر سافرناه، فأدركنا وقد أرهقتنا الصلاة صلاة العصر ونحن نتوضّأ، فجعلنا نمسح على أرجلنا، فنادانا بأعلى صوته: ويل للأعقاب من النار »(5).
وفي (الكواكب الدراري) بعد حديث « ويل… » قال: « فإن قلت: ظاهر القرآن (وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ) بالخفض يدل على وجوب المسح عليهما. قلت: قراءة الجر تعارض قراءة النصب فلابدّ من تأويل، وتأويل الجر بأنه على المجاورة كقولهم: جحر ضب خرب، أولى من تأويل النصب بأنه محمول على محل الجار والمجرور، لأنه الموافق للسنّة الثابتة الشائعة، فيجب المصير إليه. وأخصر الاستدلالات عليه: إنّ جميع من وصف وضوء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مواطن متعددة متفقون على غسل الرجلين » انتهى كلامه(6) وفيه مواقع للنظر تظهر بالنظر فيما تقدم وما يأتي.
وإذ ظهر أنّ أهمّ ما يستدلون به ما هو؟ فلنذكره بالتفصيل ونتكلّم عليه:
(1) أحكام القرآن 2/72.
(2) فتح الباري 1/213.
(3) تفسير القرطبي 6/94ـ95.
(4) المبسوط في الفقه الحنفي 1/8.
(5) معالم التنزيل 2/217.
(6) الكواكب الدراري ـ شرح الكرماني على البخاري 2/8.