كلام الحلبي
والحلبي صاحب السيرة التفت إلى وهن هذا الجمع، فأورده مع تفسيرات وتغييرات من عنده فقال:
«جمع بعضهم بأنّ قصّة عليّ متقدّمة على هذا الوقت، وأنّ الناس كان لكلّ بيت بابان، باب يفتح للمسجد وباب يفتح خارجه، إلاّ بيت عليّ كرّم اللّه وجهه، فإنّه لم يكن له إلاّ باب من المسجد وليس له باب من خارج، فأمر صلّى اللّه عليه وسلّم بسدّ الأبواب، أي التي تفتح للمسجد. أي بتضييقها وصيرورتها خوخاً إلاّ باب عليّ كرّم اللّه وجهه، فإنّ عليّاً لم يكن له إلاّ باب واحد ليس له طريق غيره كما تقدّم، فلم يأمر صلّى اللّه عليه وسلّم بجعله خوخة. ثمّ بعد ذلك أمر صلّى اللّه عليه وسلّم بسدّ الخوخ إلاّ خوخة أبي بكر رضي اللّه تعالى عنه. وقول بعضهم: حتى خوخة عليّ كرّم اللّه وجهه. فيه نظر، لما علمت أنّ عليّاً كرّم اللّه وجهه لم يكن له إلاّ باب واحد. فالباب في قصّة أبي بكر رضي اللّه تعالى عنه ليس المراد به حقيقته بل الخوخة، وفي قصّة عليّ كرّم اللّه وجهه المراد به حقيقته»(1).
أقول: لقد غيّر العبارة من: «أحدثوا خوخاً» إلى «تضييق الأبواب وصيرورتها خوخاً» على أن يكون المراد من «سدّوا الأبواب إلاّ باب عليّ» هو: ضيّقوها واجعلوها خوخاً. فباللّه عليك هل تفهم هذا المعنى من «سدّوا الأبواب»!! لكنّه قد اضطرّ إلى هذا التمحّل لَمّا رأى بطلان كلام ابن حجر.
كما أنّه ترك قول ابن حجر: «يستقربون إلى المسجد منها» لالتفاته إلى أنّها حينئذ «أبواب» لا «خوخ»!
لكنّه مع ذلك كلّه نبّه على ما نبّه عليه السمهودي من أنّ الأحاديث الواردة تنفي الإذن بجعل «الخوخ» بعد «سدّ الأبواب». فقال:
«وعلى كون المراد بسدّ الأبواب تضييقها وجعلها خوخاً، يشكل ما جاء(2)… فعلى تقدير صحّة ذلك يحتاج إلى الجواب عنه».
ولكن لا جواب، لا منه ولا من غيره!!
ثمّ قال: «وعلى هذا الجمع يلزم أن يكون باب عليّ كرّم اللّه وجهه استمرّ مفتوحاً في المسجد مع خوخة أبي بكر رضي اللّه تعالى عنه، لما علم أنّه لم يكن لعليٍّ باب آخر من غير المسجد. وحينئذ، قد يتوقّف في قول بعضهم: في سدّ الخوخ إلاّ خوخة أبي بكر إشارة إلى استخلاف أبي بكر، لأنّه يحتاج إلى المسجد كثيراً دون غيره»(3).
أقول: وفي هذا ردّ على الخطّابي وابن بطّال ومن تبعهما وعلى ابن حجر نفسه الذي اختار هذا الجمع وهو مع ذلك ينقل كلمات أُولئك. اللّهمَّ إلاّ أن يقال بعدم ارتضائه لها، لما أشرنا إليه سابقاً من قوله لدى نقلها: «وقد ادّعى…».
(1) إنسان العيون 3 / 383 ـ 384.
(2) ذكرُ العبّاس في قضية «سدّ الأبواب إلاّ باب عليّ» غلط، بل هو حمزة عليه السلام، لأنّ العبّاس أسلم عام الفتح وقصّة عليّ قبل أُحد وهذا واضح وقد نبّه عليه غير واحد. ثمّ رأيت ابن سيّد الناس في عيون الأثر 2 / 336 يذكر طلب العبّاس واعتراضه في قضيّة «إلاّ باب أبي بكر» المزعومة وكأنّه لغرض تثبيت قصّة أبي بكر!!
(3) إنسان العيون 3 / 384.