تحريف البخاري الحديثَ المقلوب
ثم إنّ البخاري بعد أن أخرج الحديث عن ابن عبّاس في «باب الخوخة والممرّ في المسجد» كما عرفت، تصرّف في لفظه وحرّفه في «باب المناقب» حيث قال: «باب قول النبي صلّى اللّه عليه وسلّم: سدّوا الأبواب إلاّ باب أبي بكر. قاله ابن عبّاس عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم».
فاضطرب الشرّاح في توجيه هذا التحريف، فاضطرّوا إلى حمل ذلك على أنّه نقل بالمعنى:
قال ابن حجر: «وصله المصنّف في الصلاة بلفظ: سدّوا عني كلّ خوخة، فكأنّه ذكره بالمعنى»(1).
وقال العيني: «هذا وصله البخاري في الصلاة بلفظ: سدّوا عنّي كلّ خوخة في المسجد، وهذا هنا نقل بالمعنى»(2).
وهل يصدّق على أنّ نقل «الخوخة» إلى «الباب» نقل بالمعنى؟! على أنّ ابن حجر نفسه غير جازم بذلك فيقول: «كأنّه…»!
وكما حرّف الحديث عن ابن عبّاس، كذلك حرّف حديث أبي سعيد الذي أخرجه في «باب هجرة النبي» كما عرفت، فقال في «باب المناقب»:
«حدّثني عبداللّه بن محمّد، حدّثني أبو عامر، حدّثنا فليح، قال: حدّثني سالم أبو النضر، عن بسر بن سعيد، عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه، قال:
خطب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وقال: إنّ اللّه خيَّر عبداً بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند اللّه; قال: فبكى أبو بكر; فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن عبد خُيِّر، فكان رسول اللّه هو المخيَّر وكان أبو بكر أعلمنا.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ من أمَنِّ الناس عليَّ في صحبته وماله أبا بكر، ولو كنت متّخذاً خليلا غير ربّي لاتّخذت أبا بكر خليلا ولكن أُخوّة الإسلام ومودّته; لا يبقينَّ في المسجد باب إلاّ سدَّ إلاّ باب أبي بكر».
وهنا أيضاً اضطرب الشرّاح. فراجع كلماتهم.
(1) فتح الباري 7 / 14.
(2) عمدة القاري 16 / 174.