من شواهد موضع القرابة
ثمّ إنّ لعلي عليه السّلام موضعاً من رسول اللّه صلّى الله عليه وآله، يقول: «قد علمتم موضعي من رسول اللّه بالقرابة القريبة»، هذه القرابة القريبة في قصّة موسى وهارون قول موسى: (وَاجْعَلْ لي وَزيرًا مِنْ أَهْلي * هارُونَ أَخي)، ومن هنا نرى ـ كما سيأتي ـ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قد ذكر حديث المنزلة في قصة المؤاخاة بينه وبين علي عليهما الصلاة والسلام.
مضافاً إلى قوله تعالى: (وَأُولُوا اْلأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْض في كِتابِ اللّهِ مِنَ الْمُؤْمِنينَ وَالْمُهاجِرينَ)(1). فإنّ الأوصاف الثلاثة هذه ـ أي الإيمان والهجرة وكونه ذا رحم ـ لا تنطبق إلاّ على علي.
فيظهر أنّ القرابة القريبة هي جزء من مقوّمات الخلافة والولاية بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم.
وقد ذكر الفخر الرازي بتفسير الآية المذكورة(2) استدلال محمّد بن عبداللّه بن الحسن بن الحسن المجتبى عليه السّلام بالآية المباركة هذه، في كتاب له إلى المنصور العباسي، استدلّ بهذه الآية على ثبوت الأولوية لعلي، وأجابه المنصور بأنّ العباس أولى بالنبي من علي، لأنّه عمّه وعلي ابن عمّه، ووافق الفخر الرازي ـ الذي ليس من العباسيين ـ في دعواهم هذه، لا حبّاً للعباسيين، وإنّما… .
والفخر الرازي نفسه يعلم بأنّ العباس عمّ النبي ليس من المهاجرين، إذ لا هجرة بعد الفتح، فكان علي هو المؤمن المهاجر ذا الرحم، ولو فرضنا أنّ في الصحابة غير علي من هو مؤمن ومهاجر، والإنصاف وجود كثيرين منهم كذلك، إلاّ أنّهم لم يكونوا بذوي رحم، ويبقي العباس، وقد عرفتم أنّه ليس من المهاجرين، فلا تنطبق الآية إلاّ على علي.
وهذا وجه استدلال محمّد بن عبداللّه بن الحسن في كتابه إلى المنصور، وقد كان الرجل عالماً فاضلاً عارفاً بالقرآن الكريم، والفخر الرازي في هذا الموضع يوافق العباسيين والمنصور العباسي، ويخالف الهاشميين والعلويين، حتّى لا يمكن ـ بزعمه ـ الاستدلال بالآية على إمامة علي أمير المؤمنين.
فقوله تعالى: (وَأُولُوا اْلأَرْحامِ) دليل آخر على إمامة علي. ومن هنا يظهر: أنّ استدلال علي عليه السّلام وذكره القرابة القريبة كانت إشارة إلى ما في هذه الناحية من الدخل في مسألة الإمامة والولاية.
مضافاً إلى أنّ العباس قد بايع عليّاً عليه السّلام في الغدير وبقي على بيعته تلك، ولم يبايع غير أمير المؤمنين، بل في قضايا السقيفة جاء إلى علي، وطلب منه تجديد البيعة. فيسقط العباس عن الإستحقاق للإمامة والخلافة بعد رسول اللّه.
(1) سورة الأحزاب (33): 6.
(2) تفسير الرازي 15 / 213 ـ 214.