من خصائص هارون و منازله
أنّ اللّه سبحانه وتعالى أحلّ له ما لم يكن حلالاً لغيره في المسجد الأقصى، وبحكم حديث المنزلة يتمّ هذا الأمر لعلي وأهل بيته بالخصوص، ويكون هذا من جملة ما يختصّ به أمير المؤمنين وأهل البيت الطاهرون ويميّزهم عن الآخرين، فيكونون أفضل ـ من هذه الناحية أيضاً ـ من غيرهم.
والشواهد لهذا التنزيل في الأحاديث كثيرة، ومن ذلك: حديث سدّ الأبواب. وهذه ألفاظ تتعلّق بهذا الموضوع في السنّة النبويّة الشريفة المتفق عليها بين الفريقين، وأنا أنقل ذلك من بعض المصادر المعتبرة عند أهل السنّة:
أخرج ابن عساكر في تاريخه، وعنه السيوطي في ]الدر المنثور[(1): إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم خطب فقال: «إنّ اللّه أمر موسى وهارون أن يتبوّءا لقومهما بيوتاً، وأمرهما أنْ لا يبيت في مسجدهما جنب، ولا يقربوا فيه النساء، إلاّ هارون وذريّته، ولا يحلّ لأحد أن يقرب النساء في مسجدي هذا ولا بيت فيه جنب إلاّ علي وذريّته».
وفي ]مجمع الزوائد[ عن علي عليه السّلام قال: أخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بيدي فقال: «إنّ موسى سأل ربّه أنْ يطهّر مسجده بهارون، وإنّي سألت ربّي أنْ يطهّر مسجدي بك وبذريّتك»، ثمّ أرسل إلى أبي بكر أنْ سدّ بابك، فاسترجع ]أي قال: إنّا للّه وإنّا إليه راجعون[ ثمّ قال: سمعٌ وطاعة، فسدّ بابه، ثمّ أرسل على عمر، ثمّ أرسل إلى العباس بمثل ذلك، ثمّ قال رسول اللّه: «ما أنا سددت أبوابكم وفتحت باب علي، ولكن اللّه فتح باب علي وسدّ أبوابكم»(2).
وفي ]مجمع الزوائد[ و]كنز العمال[ وغير هما ـ واللفظ للأوّل ـ لمّا أخرج أهل المسجد وترك عليّاً قال الناس في ذلك ]أي تكلّموا في ذلك واعترضوا[ فبلغ النبي صلّى اللّه على وآله فقال: «ما أنا أخرجتكم من قبل نفسي، ولا أنا تركته، ولكنّ اللّه أخرجكم وتركه، إنّما أنا عبد مأمور، ما أُمرت به فعلت، إنّ أتّبع إلاّ ما يوحى إليّ»(3).
وفي كتاب ]المناقب[ لأحمد بن حنبل، وكذا في ]المسند[، و]المستدرك [للحاكم، وفي ]مجمع الزوائد[، و]تاريخ دمشق[، وغيرها(4) عن زيد بن أرقم قال: كانت لنفر من أصحاب رسول اللّه أبواب شارعة في المسجد، فقال يوماً: «سدّوا هذه الأبواب إلاّ باب علي»، قال: فتكلّم في ذلك ناسٌ، فقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال: «أمّابعد، فإني أمرت بسدّ هذه الأبواب غير باب علي، فقال فيه قائلكم، واللّه ما سددت شيئاً ولا فتحته، ولكن أُمرت بشيء فاتّبعته».
وهذا الحديث موجود في ]صحيح الترمذي[، وفي ]الخصائص [للنسائي(5)، وغيرهما من المصادر أيضاً.
ولذا كانت قضية سدّ الأبواب من جملة موارد قوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «علي منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي».
وإلى الآن ظهرت دلالة حديث المنزلة على إمامة أمير المؤمنين عليه السّلام:
من جهة ثبوت الأعلمية له.
ومن جهة ثبوت العصمة له.
ومن جهة ثبوت الأفضلية له.
ومن جهة ثبوت بعض الخصائص الأُخرى الثابثة لهارون.
(1) ترجمة الإمام علي عليه السّلام من تاريخ مدينة دمشق 1 / 296، الدرّ المنثور 4 / 383.
(2) مجمع الزوائد 9 / 114.
(3) مجمع الزوائد 9 / 115، كنز العمّال 11 / 600 رقم 32887.
(4) فضائل الإمام علي عليه السّلام: 72 رقم 109، مسند أحمد 5 / 496 رقم 18801، المستدرك على الصحيحين 3 / 125، مجمع الزوائد 6 / 114، ترجمة الإمام علي عليه السّلام من تاريخ مدينة دمشق 1 / 279 ـ 280 رقم 324، الرياض النضرة 3 / 158.
(5) خصائص أمير المؤمنين عليه السلام: 73 ـ 74.