من ألفاظه في الكتب الاخرى
في ]الطبقات لابن سعد[، يروي هذا الحديث بطرق، ومنها: بسنده عن سعيد بن المسيّب، وهو نفس الحديث الذي قرأناه في صحيح مسلم، فقارنوا بين لفظه في الكتابين.
يقول سعيد:
قلت لسعد بن مالك ـ هو سعد بن أبي وقّاص ـ : إنّي أُريد أنْ أسألك عن حديث، وأنا أهابك أنْ أسألك عنه! قال: لا تفعل يا ابن أخي، إذا علمت أنّ عندي علماً فاسألني عنه ولاتهبني. فقلت: قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لعلي حين خلّفه في المدينة في غزوة تبوك، فجعل سعد يحدّثه الحديث(1).
لماذا عندما يريدون أن يسألوا عن حديث يتعلّق بعلي وأهل البيت يهابون الصحابي أن يسألوه، أمّا إذا كان يتعلّق بغيرهم فيسألونه بكلّ انطلاق وسهولة وارتياح؟
ويروي محمّد بن سعد في ]الطبقات[(2) بإسناده عن البراء بن عازب وعن زيد بن أرقم قالا:
لمّا كان عند غزوة جيش العسرة وهي تبوك، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لعلي بن أبي طالب: «إنّه لا بدّ أنْ أُقيم أو تقيم».
يظهر أنّ في المدينة في تلك الظروف حوادث، وهناك محاولات أو مؤامرات سنقرؤها في بعض الأحاديث الآتية، وكان لا بدّ أنْ يبقى في المدينة إمّا رسول اللّه نفسه وإمّا علي ولا ثالث، أحدهما لابدّ أنْ يبقى، وأمّا الغزوة أيضاً فلا بدّ وأنْ تتحقّق، فيقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لعلي: «إنّه لابدّ أنْ أُقيم أو تقيم»، فخلّفه.
فلمّا فَصَلَ رسول اللّه غازياً قال ناس ـ وفي بعض الألفاظ: قال ناس من قريش، وفي بعض الألفاظ: قال بعض المنافقين ـ ما خلّفه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم إلاّ لشيء كرهه منه، فبلغ ذلك عليّاً، فأتبع رسول اللّه حتّى انتهى إليه، فقال له: «ما جاء بك يا علي؟» قال: لا يا رسول اللّه، إلاّ أنّي سمعت ناساً يزعمون أنّك إنّما خلّفتني لشيء كرهته منّي، فتضاحك رسول اللّه وقال: «يا علي أما ترضى أن تكون منّي كهارون من موسى إلاّ أنّك لست بنبي؟» قال: بلى يا رسول اللّه، قال: «فإنّه كذلك».
وفي رواية ]سنن النسائي[(3) قال الناس: قالوا ملّه، أي ملّ رسول اللّه عليّاً وكره صحبته.
وفي رواية: قال علي لرسول اللّه: زعمت قريش أنّك إنّما خلّفتني أنّك استثقلتني وكرهت صحبتي، وبكى علي، فنادى رسول اللّه في الناس: «ما منكم أحد إلاّ وله خاصة، يابن أبي طالب، أما ترضى أنْ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي؟» قال علي: رضيت عن اللّه عزّوجلّ وعن رسوله.
ومن راجع ]سيرة ابن سيّد الناس[(4)، وكذا ]سيرة ابن قيّم الجوزية[(5)، و]سيرة ابن إسحاق[(6)، وأيضاً في بعض المصادر الأُخرى، يجد أن الذين قالوا ذلك كانوا رجالاً من المنافقين، ففي بعض الألفاظ: الناس، وفي بعض الألفاظ: قريش، وفي بعض الألفاظ: المنافقون.
ومن هنا يظهر أنّ في قريش أيضاً منافقين، وهذا مطلب مهم.
وفي ]المعجم الأوسط[ للطبراني عن علي عليه السّلام: إنّ النبي قال له: «خلّفتك أنْ تكون خليفتي»، قلت: أتخلّف عنك يا رسول اللّه؟ قال: «ألا ترضى أنْ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي»(7).
ففيه: «خلّفتك أنْ تكون خليفتي».
وروى السيوطي في ]جامعه الكبير[(8) عن كتب جمع، منهم: ابن النجار البغدادي، وأبو بكر الشيرازي في الألقاب، والحاكم النيسابوري في كتابه الكنى، والحسن بن بدر ـ الذي هو من كبار الحفّاظ ـ في كتابه ما رواه الخلفاء، هؤلاء يروون عن ابن عباس قال: قال عمر بن الخطّاب: كفّوا عن ذكر علي بن أبي طالب ]لماذا كانوا يذكرون عليّاً؟ وبم كانوا يذكرونه؟ حتّى نهاهم عمر عن ذكره؟ أكانوا يذكرونه بالخير وينهاهم؟ قائلاً: كفّوا عن ذكر علي بن أبي طالب [فإنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله يقول في علي ثلاث خصال لو كان لي واحدة منهنّ كان أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشمس:
كنت أنا وأبو بكر وأبو عبيدة بن الجرّاح ]هؤلاء الثلاثة هم أصحاب السقيفة من المهاجرين[ ونفر من أصحاب النبي، وهو متّكىء ]أي النبي[ على علي بن أبي طالب، حتّى ضرب بيده على منكبيه ثمّ قال: «يا علي أنت أوّل المؤمنين إيماناً وأوّلهم إسلاماً، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى، وكذب من زعم أنّه يحبّني ويبغضك».
وفي ]تاريخ ابن كثير[(9): «أو ما ترضى أنْ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ النبوّة».
وفرق بين عبارة «إلاّ النبوّة» وبين عبارة «إلاّ أنّك لست بنبي» و«إلاّ أنّه لا نبي بعدي» فرق كثير بين العبارتين، يقول ابن كثير: «إسناده صحيح ولم يخرجوه».
وفي ]تاريخ ابن كثير[ أيضاً(2) في حديث معاوية وسعد: إنّ معاوية وقع في علي فشتمه ]بنصّ العبارة[ فقال سعد: واللّه لأنْ تكون لي إحدى خلاله الثلاث أحبّ إليّ ممّا يكون لي ما طلعت عليه الشمس…، فيذكر منها حديث المنزلة.
إلاّ أن الزرندي الحافظ يذكر نفس الحديث يقول: عن سعد: إنّ بعض الأُمراء قال له: ما منعك أنْ تسبّ أبا تراب((10)).
فأراد أنْ لا يذكر اسم معاوية محاولةً لحفظ ماء وجهه وماء وجههم.
وفي ]تاريخ دمشق[ و]الصواعق المحرقة[ وغيرهما: إنّ رجلاً سأل معاوية عن مسألة فقال: سل عنها عليّاً فهو أعلم.
قال الرجل: جوابك فيها أحبّ إليّ من جواب علي.
قال معاوية: بئس ما قلت، لقد كرهت رجلاً كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله يغرّه بالعلم غرّاً، ولقد قال له: أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ لا نبي بعدي، وكان عمر إذا أشكل عليه شيء أخذ منه»(11).
ويلاحظ: أنّ في كلّ لفظ من هذه الألفاظ التي انتخبتها خصوصية، لابدّ من النظر إليها بعين الدقّة والإعتبار.
(1) طبقات ابن سعد 3 / 24.
(2) طبقات ابن سعد 3 / 24.
(3) السنن الكبرى: كتاب الخصائص، ذكر خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه 5 / 44 رقم 8138 و 120 رقم 8429، فضائل الصحابة: فضائل علي رضي اللّه عنه، 13.
(4) عيون الأثر في فنون المغازي والسير 2 / 294.
(5) زاد المعاد في هدى خير العباد 3 / 559 ـ 560.
(6) سيرة ابن هشام (السيرة النبويّة) 2 / 519 ـ 520.
(7) المعجم الأوسط 4 / 484 رقم 4248.
(8) الجامع الكبير 16 / 244 رقم 7818.
9 ـ 2) البداية والنهاية، المجلد الرابع الجزء 7 / 340.
(10) نظم درر السمطين: 107.
(11) ترجمة الإمام علي عليه السّلام من تاريخ مدينة دمشق 1 / 396 رقم 410، الرياض النضرة في مناقب العشرة المبشّرة 3 / 162، مناقب الإمام علي بن أبي طالب عليه السّلام: 34 رقم 52.