قصة أروى مع معاوية
والآن يعجبني أنْ أقرأ هذا الخبر:
دخلت أروى بنت الحارث بن عبدالمطّلب بن هاشم على معاوية، وهي عجوز كبيرة، فقال لها معاوية: مرحباً بك يا خالة، كيف أنت؟
فقالت: بخير يابن أُختي، لقد كفرت النّعمة، وأسأت لابن عمّك الصحبة، وتسمّيت بغير اسمك، وأخذت غير حقّك، وكنّا أهل البيت أعظم الناس في هذا الدين بلاءاً، حتّى قبض اللّه نبيّه مشكوراً سعيه، مرفوعاً منزلته، وَثَبت علينا بعده بنو تيم وعدي وأُميّة، فابتزّونا حقّنا، ولّيتم علينا تحتجّون بقرابتكم من رسول اللّه، ونحن أقرب إليه منكم وأولى بهذا الأمر، وكنّا فيكم بمنزلة بني إسرائيل في آل فرعون، وكان علي بن أبي طالب بعد نبيّنا بمنزلة هارون من موسى.
فقال لها عمرو بن العاص: كفّي أيّتها العجوز الضالّة، وقصّري عن قولك مع ذهاب عقلك.
فقالت: وأنت يابن النابغة، تتكلّم وأُمّك كانت أشهر بغيّة بمكّة، وأرخصهنّ أُجرة، وادّعاك خمسة من قريش، فسألتْ اُمّك عنهم فقالت: كلّهم أتاني، فانظروا أشبههم به فألحقوه به، فغلب عليك شبه العاص بن وائل، فألحقوك به.
فقال مروان: كفّي أيّتها العجوز، واقصري لما جئتي له.
قالت: وأنت أيضاً يابن الزرقاء تتكلّم.
ثمّ التفتت إلى معاوية فقالت: واللّه ما جرّأهم عَلَيّ هؤلاء غيرك، فإنّ أُمّك القائلة في قتل حمزة:
نحن جزيناكُم بيومِ بدرِ *** والحربُ بعد الحربِ ذات سعرِ
ماكان لي في عتبة من صبرِ *** وشكرُ وحشي عَلَيّ دهري
حتّى ترمّ أعظمي في قبري
فأجابتها بنت عمّي وهي تقول:
خزيتِ في بدر وبعدَ بدر *** يابنة جبّار عظيمِ الكفرِ
فقال معاوية: عفى اللّه عمّا سلف يا خالة، هات حاجتك.
فقالت: مالي إليك حاجة، وخرجت عنه.
وفي رواية: قالت: أُريد ألفي دينار لأشتري بها عيناً فوّارة في أرض خرّارة، تكون لفقراء بني الحارث بن عبدالمطّلب، وألفي دينار أُخرى أُزوّج بها فقراء بني الحارث، وألفي دينار أُخرى أستعين بها على شدّة الزمان.
فأمر لها معاوية بذلك.
فأروى هذه ابنة عمّ النبي صلّى اللّه عليه وآله، استشهدت بحديث المنزلة، واستدلّت على إمامة أمير المؤمنين به، وشبّهت عليّاً بهارون، وأيضاً شبّهت أهل البيت ببني إسرائيل في آل فرعون.
وهذا الخبر يوجد مع اختلاف في بعض الألفاظ: في ]العقد الفريد[، وفي ]تاريخ أبي الفداء[، وفي ]روضة المناظر[ لابن الشحنة الحنفي، الذي هو أيضاً من التواريخ المعتبرة(1).
وهكذا، فقد تمّت الدلالة وسقطت المناقشات كلّها، والحمد للّه.
(1) العقد الفريد 2 / 119، تاريخ أبي الفداء (المختصر في أحوال البشر) 1 / 188، روضة المناظر، حوادث سنة 60.