من الشواهد
وهناك قرائن داخل الحديث وقرائن في خارجه لا نحتاج إلى ذكرها كلّها، بل نكتفي بالإشارة إلى بعض القرائن الداخليّة وبعض القرائن الخارجيّة فقط.
في بعض ألفاظ هذا الحديث يقول صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك وأوجههم عندك»(1)، وهذه الإضافة موجودة في بعض الألفاظ.
وفي بعض الألفاظ: «اللهمّ أدخل عَلَيّ أحبّ خلقك إليّ من الأوّلين والآخرين»(2).
ويدلّ الحديث بهذا اللفظ على أفضليّة أمير المؤمنين من الأوّلين والآخرين، أمّا الآخرون فالأمر فيهم سهل. أمّا الأوّلون فإنّه يشمل الأنبياء أيضاً، يشمل حتّى أُولي العزم منهم، ويكون هذا الحديث بهذا اللّفظ من أدلّتنا على أفضليّة أمير المؤمنين من جميع الأنبياء والمرسلين إلاّ النبي الأكرم والرسول الأعظم صلّى اللّه عليه وآله وسلّم.
وفي بعض ألفاظ الحديث يقول أنس: فإذا علي ـ أي فتحت الباب فإذا علي ـ فلمّا رأيته حسدته(3).
وفي بعض ألفاظ الحديث: فلمّا نظر إليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قام قائماً فضمّه إليه وقال: «يا ربّ وإليّ يا رب وإليّ، ما أبطأ بك يا علي؟»(4).
وفي لفظ آخر بعد تلك العبارات: «ما أبطأ بك يا علي؟» قال: يا رسول اللّه قد جئت ثلاثاً، كلّ ذلك يردّني أنس، قال أنس: فرأيت الغضب في وجه رسول اللّه، وقال: «يا أنس ما حملك على ردّه؟» قلت: يا رسول اللّه سمعتك تدعو، فأحببت أن تكون الدعوة في الأنصار.
وكأنّ بهذا العذر زال غضب رسول اللّه!! ذلك الغضب الشديد الذي رآه أنس في وجهه، زال بمجرّد اعتذاره بهذا العذر، حتى أنّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لمّا اعتذر هذا العذر قال: لست بأوّل رجل أحبّ قومه(5)!!
وإنّي أعتقد أنّ هذا الكلام من رسول اللّه مفتعل عليه في حديث الطير: «لا يلام الرجل على حبّ قومه» أو «لست بأوّل رجل أحبّ قومه»، أعتقد أنّ هذه إضافة من بعض الرواة.
وذلك للاتّفاق على أنه ـ صلّى اللّه عليه وآله ـ قد تأذّى من فعل أنس وغضب، حتى قال له ـ كما في الحديث ـ «أبى اللّه ـ يا أنس ـ إلاّ أن يكون ابن أبي طالب».
وهذه قرائن داخليّة في الألفاظ.
مضافاً: إلى أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام احتجّ بحديث الطير في يوم الشورى.
ولماذا احتجّ؟ وعلى من احتجّ؟
احتجّ على كبار الصحابة الذين انتخبهم عمر، لأنْ يستشيروا فيما بينهم، فيتعيّن الخليفة في ذلك المجلس، هؤلاء أعلام القوم وأهل الحلّ والعقد.
إذن، احتجّ علي على هؤلاء، ومن المحتج؟ علي أمير المؤمنين، وهل يحتج علي بما ليس له أصل؟ وهل يحتج علي بما هو ضعيف سنداً أو كذب أو موضوع؟ فالمحتج علي، والمحتج عليه أُولئك الأصحاب المنتخبون من قبل عمر لان يعيَّن من بينهم خليفة عمر، واحتجّ علي في ذلك المجلس بحديث الطير(6).
وأيضاً: سعد بن أبي وقّاص، الذي أمره معاوية بن أبي سفيان بسبّ علي، فأبى سعد من أن يسب، وسأله معاوية عن السبب، فاعتذر بأنّه سمع من رسول اللّه خلالاً ـ أو خصالاً ـ لعلي، ومادام يذكر تلك الخصال فلن يسب عليّاً.
والخصال التي اعتذر بها سعد ـ في هذه الرواية ـ هي: حديث الراية، وحديث الطير، وحديث الغدير، وهذه الرواية موجودة في حلية الأولياء لأبي نعيم، ومن شاء فليراجع(7).
هذا، والشواهد والقرائن الخارجيّة الدالّة على أنّ عليّاً أحبّ الخلق إلى اللّه وإلى الرسول صلّى اللّه عليه وآله وسلّم دون غيره، تلك القرائن كثيرة لا تحصى، وأنتم أيضاً تعلمون، فلا نطيل بذكر تلك الشواهد.
(1) كذا عن كتاب الطير لابن مردويه. راجع نفحات الأزهار 14 / 224.
(2) مناقب الامام علي عليه السّلام لابن المغازلي: 171، حديث رقم (200).
(3) مناقب ابن المغازلي: 175، حديث رقم (212).
(4) المعجم الكبير 10 / 282، مناقب ابن المغازلي: 164، حديث رقم (190) و (192) و (193) وغيرها.
(5) انظر المستدرك على الصحيحين 3 / 131، المعجم الأوسط 7 / 267.
(6) مناقب ابن المغازلي: 136.
(7) حلية الأولياء 4 / 356.