دلالة حديث الطير على إمامة أمير المؤمنين عليه السّلام
إنّ حديث الطير يدلّ على إمامة أمير المؤمنين بالقطع واليقين، وذلك، لأنّ القضيّة التي تتعلّق بحديث الطير، قد أسفرت عن كون علي عليه السّلام أحبّ الناس إلى اللّه وإلى الرسول، فكأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قد انتهز فرصة إهداء طير إليه ليأكله، انتهز هذه الفرصة للإعلان عن مقام أمير المؤمنين وعن شأنه عند اللّه والرسول، هذا الشأن الذي سنرى أنّ عائشة تمنّت أن يكون لأبيها، وحفصة تمنّت لأن يكون لأبيها، وأنس بن مالك ـ صاحب القصّة ـ حاول أن يحول دون أن تكون هذه المرتبة وأن يكون هذا الشأن والمقام لأمير المؤمنين، زاعماً أنّه أراد أن يكون لأحد من الأنصار، وربّما أراده لسعد بن عبادة بالخصوص، بل سنقرأ في بعض ألفاظ هذا الحديث أنّ الشيخين، وفي سند أنّ عثمان أيضاً، جاؤوا إلى الباب ولم يتشرّفوا بالدخول على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في تلك اللحظة التي كان يدعو اللّه أن يأتي إليه بأحبّ الخلق إلى اللّه وإلى الرسول.
لفظ الحديث
فلنذكر ـ إذن ـ طائفةً من ألفاظ القصّة، لنقف على واقع الامر أوّلاً، ولنطّلع على تصرّفات القوم في نقل هذا الحديث، وكيفيّة تصرّفهم في الحديث، إمّا إختصاراً له وإمّا نقلاً له بنحو يقلّل من أهميّة القضية فيما يتعلّق بأمير المؤمنين عليه السّلام.
يقول الترمذي في صحيحه(1) عن أنس بن مالك: كان عند النبي صلّى اللّه عليه وسلّم طير فقال: «اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي هذا الطير، فجاء علي فأكل معه».
هذا لفظ الحديث بهذا المقدار في صحيح الترمذي، فلا يذكر فيه دور أنس في القضيّة هذه كما سنقرأ، ولا يذكر مجي غير علي ورجوعه من باب بيت رسول اللّه.
وجاء في كتاب مناقب علي(2) لأحمد بن حنبل ما نصّه: عن سفينة خادم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الذي هو أحد رواة هذا الحديث يقول: أهدت امرأة من الانصار إلى رسول اللّه طيرين بين رغيفين، فقدّمت إليه الطيرين، فقال صلّى اللّه عليه وسلّم: «اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك وإلى رسولك»، ورفع صوته، فقال رسول اللّه: «من هذا؟» فقال: علي.
لاحظوا نصّ الحديث الذي يرويه أحمد بن حنبل، وقارنوا بينه وبين رواية الآخرين.
ولكم أن تقولوا: لعلّ الآخرين تصرّفوا في لفظ الحديث بإسقاط كلمة «ورفع صوته» فقال صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك وإلى رسولك ورفع صوته»، إنّ معنى «رفع صوته» أنّه عندما كان يدعو كان يدعو بصوت عال، لنفرض أنّ هذا معنى الحديث إلى هنا «اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك وإلى رسولك ورفع صوته» لكن الحقيقة إنّ لفظ أحمد محرّف، لأنّا سنقرأ في بعض الألفاظ: إنّ عليّاً عندما جاء في المرّة الاُولى ردّه أنس ولم يأذن له بالدخول، وفي المرّة الثانية كذلك، في المرّة الثالثة لمّا جاء علي رفع صوته، فقال رسول اللّه: من هذا؟
فمن هنا يظهر معنى «ورفع صوته» ويتبيّن التحريف، وإلاّ، فأيّ علاقة بين قوله: «اللهمّ ائتني بأحبّ الخلق إليك وإلى رسولك ورفع صوته»، وقوله: فقال رسول اللّه من هذا؟ فقال: علي، أي: قال سفينة: الذي خلف الباب هو علي، قال: افتح له، ففتحت، فأكل مع رسول اللّه من الطيرين حتّى فنيا.
(1) صحيح الترمذي 6 / 84 ، حديث رقم (3721).
(2) فضائل الامام علي عليه السّلام: 42، رقم (68).