الرابع: المعارضة
المعارضة وجه علمي، نحن نوافق على هذا، لأنّ المعارضة هي الإتيان بحديث معتبر ليعارض به حديث معتبر آخر في مدلوله، فتلاحظ بينهما قواعد الجرح والتعديل لتقديم البعض على البعض الآخر، تلك القواعد المقررة في كتب السنّة، فهذا أُسلوب علمي للبحث والمناظرة، وأيُّ مانع من هذا، المعارضة وإلقاء التعارض بين الحديثين، ثمّ دراسة الحديثين بالسّند والدلالة على ضوء القواعد والاصول المقرّرة اسلوب علمي وعمل جميل وعلى القاعدة، ونحن مستعدون لدراسة ما يذكرونه معارضاً لحديث الطير بلا أيّ تعصّب، لكنْ أيّ شيء ذكروا ليعارضوا به حديث الطير؟
في كتاب التحفة الاثنا عشرية استند إلى حديث: «إقتدوا باللّذين من بعدي أبي بكر وعمر»(1) في مقابلة حديث الطير.
فواللّه، لو تمّ هذا الحديث سنداً ودلالة، بل لو ثبت اعتباره عندهم واتّفقوا على صحّته، فنحن نغضّ النظر عن انفراد القوم به، وقد قلنا منذ الأوّل أنّ الحديث الذي يريد كلّ طرف أن يستند إليه لابدّ وأن يكون مقبولاً عند الجانبين، نحن نغضّ النظر عن هذه الناحية، وندرس الحديث على ضوء كتبهم وأقوال علمائهم هم فقط، ولو تمّ لوافقنا ولرفعنا اليد عن حديث الطير المقبول بين الطرفين بواسطة حديث: «اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر».
ولكنْ ماذا نفعل وهم لا يقبلون بحديث الإقتداء بالشيخين؟
لقد طعن كبار الأئمّة في الحديث والرجال في هذا الحديث، أذكر منهم: أبا حاتم الرازي وأبا بكر البزّار وابن حزم والعقيلي والدارقطني والذهبي والهيثمي وابن حجر والمناوي(2).
(1) مختصر التحفة الاثنا عشرية: 165.
(2) راجع العدد (6) من هذه السلسلة.